
ملف اختطاف النساء يقلق السوريين ويؤجج خطاب الكراهية
ما زالت ردود الفعل تتفاعل على جريمة تعرضت لها شابة سورية في سهل الغاب بريف حماة الغربي، في حادثة أعادت طرح ملف اختطاف النساء، وأجّجت خطاب الكراهية.
واعتبرت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، الاعتداء الذي طال الفتاة المغدورة «جرحاً عميقاً يطعن» في قلب المجتمع السوري و«عقوبة جماعية» هدفها خلق شرخ بين السوريين.
وأكّدت الوزيرة، وفق ما كتبته عبر حسابها في «فيسبوك»، أن وزارة الداخلية تتابع التحقيق في القضية، لافتة إلى أن هذه القضية هي قضية «مجتمع بأكمله».
وجاء تعليقها في وقت أكّدت فيه مصادر حقوقية لـ«الشرق الأوسط» ازدياد التقارير عن جرائم خطف للنساء في سوريا، ولا سيما العاصمة دمشق ومدينة حلب (شمال)، مشيرة إلى وقوع 5 حالات اختطاف نساء في دمشق، خلال أسبوع واحد من شهر أغسطس (آب) الماضي.
وتعرضت شابة تبلغ 23 عاماً، وتنحدر من قرية حورات عمورين بريف حماة الغربي، لجريمة اعتداء من قبل مجموعة قامت باعتراض طريقها أثناء توجهها إلى عملها في مدينة سلحب بريف حماة، حيث جرى اقتيادها إلى أرض زراعية والاعتداء عليها وتركها مرمية في العراء، إلى أن قام أهالي المنطقة بإنقاذها. وذكرت تقارير إعلامية محلية أن «الجريمة نفّذها شخصان مسلحان»، وسط مزاعم بأنهما ينتميان إلى منطقة تقطنها عشائر بدوية، وهو أمر لم يؤكد رسمياً.
وأثارت الحادثة موجة غضب واسعة بين أهالي منطقة سلحب، باعتبارها واحدة من جرائم متكررة تستهدف نساء من طائفة معينة. الأمر الذي عاد ليؤجج خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن الشابة معيلة لأسرتها الفقيرة.
وبحسب مصادر حقوقية، تقدمت الشابة ببلاغ لدى مخفر شرطة سلحب، قالت فيه إن شابين كانا يستقلان آلية زراعية من صناعة محلية، قاما بملاحقتها على طريق حورات ـ سلحب، حيث تعمل في محل لصناعة الحلويات، وكان ذلك يوم الأربعاء الماضي، وبعد أن تجاوزاها عادا إليها وقاما برشّ مادة على وجهها، ما أدى إلى فقدانها الوعي. وبعد الحادثة، قصدت مخفر سلحب، ومن هناك تم تحويلها إلى مستشفى السقيلبية الوطني، حيث قامت بفحصها لجنة طبية ثلاثية، تضم الطبيب الشرعي ورئيسة القسم النسائي، إلى جانب طبيب مختص، وذلك للتحقق من صحة ادعاءاتها. وأفيد بأن اللجنة أكدت تعرضها لاعتداء.
وقالت المصادر الحقوقية إن حوادث اختطاف النساء تتكرر، مطالبة بكشف الجناة في جريمة شابة حورات عمورين «لأننا قرأنا تعليقات مهينة تبرر الاعتداء عليها بوصفها سبية». وطالبت بعدم التستر على هذا النوع من الجرائم، ومنع استثمارها في التحريض الطائفي، لأن ذلك يسهم في إحجام الضحايا عن التبليغ عن الاعتداءات. كما طالبت المصادر السلطات المعنية بإظهار جدية أكثر في معاقبة الجناة، مشيرة إلى شكاوى من أن قضايا عديدة يتم التستر على القائمين بها.
وقالت المحامية منال الزعيم، وهي قريبة لسيدة فُقدت وسط دمشق في 23 أغسطس الماضي، إن موضوع اختطاف النساء أمر خطير جداً، مشيرة إلى أن أغلب الحالات تستهدف نساء في سن يتراوح بين 25 و35 سنة، وهي فئة عمرية تكون فيها المرأة في الغالب أماً لأطفال ومسؤولة عن رعاية أسرة. ولفتت الزعيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عمليات الخطف لا تتم في مناطق هشة أمنياً فقط، بل في وسط العاصمة دمشق، وكذلك في مدينة حلب ومناطق أخرى من البلاد، بحسب ما قالت.
وحول حادثة اختطاف قريبتها، وهي أم لطفلين، وزوجها مغترب، قالت إن آخر ظهور لها كان في شارع الزاهرة الجديدة، وهو شارع عام ومكتظ، وكانت عائدة من تسجيل طفلها في المدرسة، واستقلت سيارة تاكسي، لكنها اختفت في وضح النهار. وعبّرت المحامية الزعيم عن الأسف للفتور الذي واجه أقارب المختطفة عندما طلبوا مشاهدة تسجيلات كاميرات المراقبة من أصحاب المحالات التجارية المطلين على الشارع العام، أو من مقاسم الشرطة.
وقالت: «كانوا يستمعون لشكوانا، وكأن أمر اختطاف سيدة بوضح النهار هو أمر اعتيادي، مكتفين بتلقي التبليغ القانوني دون إجراءات أخرى، حيث علمنا أثناء البحث عنها بوجود 5 حالات اختطاف سجلت خلال أقل من أسبوع في المنطقة ذاتها والمناطق المحيطة في الزاهرة والمجتهد والميدان، دون معرفة الأسباب، وهل هي جرائم انتقامية أو بدافع الحصول على فدية أو لأسباب أخرى». وحذّرت الزعيم من خطورة استمرار التعاطي الأمني الفاتر والتراخي في متابعة هذه الجرائم على السلم المجتمعي.
وطالب أهالي قرية «حورات عمورين» عموماً وأعمام الشابة الضحية بريف حماة الغربي «الجهات المعنية بالتحقيق والبحث والكشف عن الفاعلين بأسرع وقت ممكن، من أجل أن ينالوا جزاءهم العادل»، وكي لا تتكرر هذه الجريمة. كما طالبوا، في بيان نشر على صفحة «حورات عموين»، بأن لا يتم توجيه اتهام إلى قرية معينة بالجريمة، لأن الفاعلين ما زالوا مجهولين، في إشارة إلى التحريض الطائفي المتجدد مع كل حادثة.
وفي هذا الإطار، كشفت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، في منشور لها، السبت، أن أهل الشابة حمّلوها رسالة تدعو السوريين إلى وقف التحريض والشحن الطائفي وشيطنة الآخر، والتكاتف «يداً بيد في وجه أي فعل إجرامي يهدد بناتنا وأهلنا». وقالت الوزيرة قبوات إن «المسألة ليست قضية شخصية، بل قضية مجتمع بأكمله. إذا استُبيحت الأعراض بهذه الوحشية، فلن يكون أيٌّ من بناتنا في مأمن».
وأكّدت أنها تتابع القضية، وأنها على تواصل مع وزارة الداخلية «لمتابعة سير التحقيق، ومع وزارة الأوقاف لاتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه هذه الجريمة، وما تمثله من خطر على القيم والدين والمجتمع».
وكانت الوزيرة قبوات استنكرت، في منشور آخر، يوم الجمعة، الجريمة باعتبارها «عقوبة جماعية» تستهدف إضعاف تماسك السوريين، وكسر إرادتهم، وخلق شرخ بينهم. وقالت إنها «تتنافى مع كل القيم والأعراف والأديان، ولا تشبه السوريين في شيء، ولا تعبّر عن أخلاقهم، ولا عن إنسانيتهم». وقالت إن هذه القضية هي قضية الجميع، داعية إلى انتظار نتائج التحقيقات.