حدود «سايكس بيكو» انتهت… إسرائيل ستتوسّع!

حدود «سايكس بيكو» انتهت… إسرائيل ستتوسّع!

المصدر: الراي الكويتية
14 أيلول 2025
– إسرائيل حولت سوريا ولبنان ساحة صراع مفتوحة ومستنزفة إلى أجل غير مسمى
– تتمسك بقمة جبل الشيخ ومواقع إستراتيجية تطل على دمشق وبيروت
– مستقبل المنطقة أصبح رهينة التوازن الهش والخطير

يتمسك جيش الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على قمة جبل الشيخ السوري، باعتبارها موقعاً إستراتيجياً «لا يمكن التنازل عنه» لما يوفره من قدرة على مراقبة هضبة الجولان وخطوط الإمداد نحو لبنان، في وقت ادعى الجيش أنه صادر «أطناناً من الأسلحة من قواعد عسكرية سورية مهجورة» خلال عملية سرية نُفذت الأسبوع الماضي، توغلت حتى مسافة 38 كيلومتراً من الحدود.

وقال ضباط، في تصريحات أوردتها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن السيطرة على قمة جبل الشيخ أتاحت لهم مجال رؤية مباشرا نحو مواقع عسكرية حساسة داخل الأراضي السورية.

وذكر أحد الضباط أنه فوجئ حين تمكن من «رؤية بوضوح مقر قيادة الفرقة العسكرية المسؤولة عن منطقة الجولان المحتل في محاني يتسحاك (قاعدة نَفَح)»، مشيراً إلى أن هذا الموقع كان هدفاً للقوات السورية في حرب أكتوبر عام 1973.

«أخضر أبيض»

ويعتبر الجيش، وفق التقرير، أن القمة التي سيطر عليها قبل نحو 10 أشهر تشكل موقعاً إستراتيجياً «لا يمكن التنازل عنه»، ولا سيما أنها تمنح قدرة على مراقبة الطرق الرئيسية (طرق التهريب) الممتدة نحو جنوب لبنان، بالإضافة إلى كشف خطوط إمداد يصفها بـ«شريان لوجستي لحزب الله».

ووفق مصدر عسكري، فإن «الجيش أقام منذ ذلك الحين ثمانية مواقع عسكرية على امتداد شريط يتراوح عمقه بين 5 إلى 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية».

وأشار إلى أن عملية وُصفت باسم «أخضر أبيض» نُفذت أخيراً وعلى مسافة 38 كيلومتراً داخل سورية، واستمرت 14 ساعة، بمشاركة قوات احتياط من فرقة 210 ووحدات أخرى بينها كتيبة الاحتياط الدرزية (حيرف 299).

وقال ضباط شاركوا في العملية إنها استهدفت «قاعدتين كبيرتين خاليتين من الجنود تم تركهما ممتلئَين بالأسلحة الثقيلة والذخائر».

وبحسب التقرير، فإن قوات الاحتياط التابعة للفرقة 210 جلبت إلى إسرائيل نحو 3.5 طن من المواد المتفجرة ووسائل القتال من عتاد الجيش السوري النظامي، من أصل 7 أطنان كان «لواء الجبال» قد جمعها من داخل الأراضي السورية خلال الأشهر الماضية.

أهداف إستراتيجية أوسع

وأفاد التقرير بأنّ التخطيط لعملية تالية قد بدأ بالفعل مع إدراك أن مستوى الخطر سيكون أعلى هذه المرة، مشيراً إلى أنّ الهدف لا يقتصر على «تنظيف» المنطقة من السلاح، بل يتعداه إلى تعطيل مزيد من شحنات التهريب إلى حزب الله، مؤكداً أنّ الوجود الإسرائيلي المتكرر «يصعّب على أطراف معادية ملء الفراغ الذي خلّفه جيش النظام السوري».

ووفقاً للرواية الإسرائيلية، فإن القوات التقت خلال تقدمها نحو تلك القواعد بمجموعات من السكان الدروز في قرية رخلة، على مشارف دمشق، الذين زعم التقرير أنهم «استقبلوا القوات وطلبوا مساعدتها».

وبحسب التقرير، قدّم الجيش مساعدات لهؤلاء السكان مقابل حصوله على معلومات حول مخازن أسلحة تركها الجيش السوري في المنطقة.

وأكد الاحتلال أن عملياته في الجانب السوري تستهدف «منع تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان»، مدعياً أن بعض الشحنات كانت في طريقها إلى تجار سلاح في شبعا ومناطق حدودية أخرى.

وقال أحد الضباط «صودرت قافلة شاحنات محمّلة بقذائف وصواريخ مضادة للدروع، كانت في طريقها شمالاً» مضيفاً أن «المصادرة تمت بمحض الصدفة خلال العملية الليلية».

كما ادعى التقرير أن بعض الأسلحة التي تُركت في المنطقة استخدمتها مجموعات مسلحة لمهاجمة القرى الدرزية جنوب سورية، فيما يخشى الجيش من أن تتحول تلك المخازن إلى «مصدر تسليح لفصائل فلسطينية معادية».

في المقابل، أوضح ضباط من قيادة المنطقة الشمالية أن جزءاً من هذه الأسلحة استولى عليه السكان المحليون لاستخدامها في «الدفاع عن أنفسهم».

سيطرة على طرق حيوية

وأشار التقرير إلى أن الوجود الإسرائيلي في هذه المواقع يتيح أيضاً مراقبة طريق دمشق – بيروت الحيوي، والإشراف على البقاع اللبناني الذي يعتبره الجيش «مركزاً خلفياً لوجستياً لحزب الله».

وخلص الضباط إلى أن «التواجد المستمر داخل العمق السوري يعقّد على أي طرف معادٍ محاولة ملء الفراغ الذي خلّفه انهيار الجيش السوري في المنطقة».

ويرى التقرير أن احتلال إسرائيل لقمة جبل الشيخ وتوغلها داخل الأراضي السورية له انعكاسات خطيرة ومتعددة المستويات على سوريا ولبنان ومستقبل المنطقة ككل.

ويمكن تقسيم هذه الانعكاسات على النحو التالي:

انتهاك سيادي متواصل

«يؤكد التوغل الإسرائيلي العميق (38 كيلومتراً) على انهيار مفهوم السيادة السورية بشكل شبه كامل. إسرائيل تتحرك بشكل شبه علني في عمق الأراضي السورية من دون أن يتمكن النظام الجديد من ردعها، ما يعكس ضعفه الشديد واعتماده على حلفائه»، بحسب التقرير؟

وتابع «إن تغييراً ديموغرافياً واستغلال الطوائف وقصة لقاء القوات الإسرائيلية بالدروز في رخلة واستغلال حاجتهم للأمن، مثيرة للقلق بشدة، وتشير إلى إستراتيجية إسرائيلية محتملة لعزل المنطقة تتضمن فصل مناطق التواجد الدرزي عن بقية الأراضي السورية، وخلق كيانات طائفية، ودعم كيانات محلية موالية أو غير معادية لإسرائيل، على غرار حلفاء، إسرائيل السابقين في جنوب لبنان قبل العام 2000، ما يهدد الوحدة الترابية لسوريا في المستقبل».

وأشار إلى أن إعاقة إعادة الإعمار والأمن بسبب الوجود الإسرائيلي المستمر والعمليات العسكرية المنتظمة «تمنع أي إمكانية لإعادة الأمن والاستقرار في جنوب سوريا، وهي منطقة حيوية لأي عملية إعادة إعمار في المستقبل».

ولفت إلى «وجود استنزاف مستمر لتحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراع مع إسرائيل، حيث تستمر عمليات المصادرة والضربات، ما يستنزف ما تبقى من موارد ومعدات الجيش السوري».

الانعكاسات على لبنان

واعتبر التقرير أن خنق «حزب الله لوجستياً هو الهدف المعلن لإسرائيل عن طريق قطع شريان الحياة اللوجستي» للحزب، حيث إن السيطرة على قمة جبل الشيخ تسمح لتل أبيب بمراقبة الطرق بين سوريا ولبنان (طريق دمشق – بيروت) ومنطقة البقاع، ما يضاعف تكلفة وكلفة عمليات النقل للحزب، إلى اعتماد طرق أكثر تعقيداً وتكلفة، ويزيد من فرص كشف وشل عمليات التهريب قبل وصولها إلى لبنان.

ووفق مصادر أمنية فلسطينية في لبنان فإن«الوجود الإسرائيلي على التلال المشرفة على البقاع يعني أن إسرائيل لديها قدرة مراقبة واستطلاع غير مسبوقة على العمق الإستراتيجي لحزب الله، الذي يعتبر البقاع معقله الخلفي ما يمنحها معلومات استخباراتية حيوية تضعف الميزة التكتيكية للحزب».

وأكدت أن هذا الوجود والرقابة الاستخبارية الإسرائيلية يؤججان التوتر الداخلي، حيث إن«أي عملية أو مواجهة في المنطقة قد تنعكس على لبنان. ادعاءات إسرائيل عن تورط تجار سلاح في مزارع شبعا (وهي منطقة متنازع عليها) تزيد من تعقيد المشهد الأمني الحساس بالفعل في جنوب لبنان».

الانعكاسات على مستقبل المنطقة

ولتطبيع الاحتلال«تقوم إسرائيل بخلق واقع جديد على الأرض من خلال الوجود العسكري الدائم وبناء المواقع العسكرية المحصنة داخل الأراضي السورية. هذا يشبه إلى حد كبير عملية ضم الزحف التي تحدث في الضفة الغربية. العالم يتفرج بينما تحتل إسرائيل أراضي دولة أخرى بشكل منهج»، بحسب المصادر.

وقال مصدر عسكري رفيع المستوى إن إسرائيل تعمل على إضعاف فكرة«الدولة في سوريا ولبنان للتوسع في أراضي الدوليتين»: تعزز هذه التطورات نموذجاً خطيراً في المنطقة يقوم على السياسات الطائفية والميليشيات المسلحة على حساب مفهوم الدولة القومية ذات السيادة.

إسرائيل تتعامل مع فصائل ومجموعات طائفية (سواء درزية سورية أو«حزب الله») أكثر من تعاملها مع حكومات ذات سيادة.

ووصف التعامل الإسرائيلي والغطاء الأميركي بـ«السابقة الخطيرة»، بعد توغل جيش دولة واحتلاله لأراضي دولة أخرى بعمق عشرات الكيلومترات تحت ذرائع أمنية، وهو سابقة خطيرة تهدد استقرار النظام الإقليمي كله وتشجع قوى أخرى على تبني تكتيكات مماثلة.

واعتبر أن الانعكاس الأكبر هو تكريس حالة من اللاحرب واللاسلم في المنطقة، حيث تتحول سوريا ولبنان إلى ساحة صراع مفتوحة ومستنزفة إلى أجل غير مسمى.

وأوضح أن إسرائيل تعمل على تأمين حدودها من خلال خلق فوضى مُدارة في جوارها المباشر، ما يضمن عدم قيام قوة معادية قوية مرة أخرى على حدودها، لكنه يضمن في المقابل استمرار عدم الاستقرار ويزرع بذور صراعات مستقبلية أكثر عنفاً.

ورأى أن«مستقبل المنطقة يصبح رهينة لهذا التوازن الهش والخطير، حيث تذوب سيادة الدول لصالح صراعات الوكالات، والمصالح الإقليمية والدولية المتشابكة لصالح مشروع إسرائيل التوسعي على حساب دول المنطقة بعد تأكيد الإدارة الأميركية ومبعوثيها بأن حدود سايكس بيكو انتهت… إسرائيل ستتوسع».