خاص- بالصور والفيديو- سحر القمر والصنوبر… بكاسين تتحوّل إلى مسرح رحباني لا يُنسى!

خاص- بالصور والفيديو- سحر القمر والصنوبر… بكاسين تتحوّل إلى مسرح رحباني لا يُنسى!

الكاتب: اسعد نمّور | المصدر: Beirut24
14 أيلول 2025

على عتبات المساء، حين يلامس القمر قمم الصنوبر، كانت بكاسين أمسيةً لا تشبه سواها. البلدة التي تُعرف ببلدة الشمس والقمر وتحتضن في قلبها أكبر حرج صنوبر مثمر في الشرق الأوسط، بدت كأنها ترتدي ثوبًا من فضّة وندى، فيما القمر نفسه يطلّ ليتأكّد أن السحر ما زال هنا. في باحة كنيسة القديسة تقلا، حيث الحجارة العتيقة تتلألأ تحت الأضواء، تنفست البلدة ليلةً موسيقيةً فريدة.

امتلأت باحة كنيسة القديسة تقلا بالحضور والترقب، وعلى وقع قرع الأجراس وتصفيق الجمهور دخلت جوقة “فيلوكاليا” بقيادة الأخت مرانا سعد، لتبدأ رحلة الصوت التي تعيد إلى أذهان الحاضرين ذاكرة موسيقى الرحابنة.

ارتفعت ترانيم كيرياليسون وطوبى للساعين إلى السلام، أصوات ملائكية أخذتنا فورًا إلى جوٍ من الخشوع، كما لو أن كل حجر وكل غصن صنوبر أصبح يستمع ويشارك في الصلاة.

ثم دخلت نغمات مقدّمة ميس الريم، لتفتح قلوب الحاضرين على أجواء الفن الرحباني الخالد، وتعيدنا تدريجيًا إلى عالم المسرح والموسيقى حيث يلتقي الصوت بالذاكرة.

انطلقت بعدها لوحة بياع الخواتم، بأغاني يا بياع الخواتم، يا حجل صنين، يا مرسال المراسيل، طلّوا طلّوا الصيّادي، فانتشرت الألحان في الساحة كأنها نسيم موسيقي يلامس وجوه الحاضرين، فيتنقلون بين الماضي والحاضر، بين الحكاية واللحن، وكأن كل نغمة تعيد ترتيب الزمان والمكان داخل باحة الكنيسة.

تلاها صيف ٨٤٠، حيث انسكبت غريبين وليل بنبرة حالمة، ثم زيّنوا الساحة كجرس عيد قديم، ويا حيا الله كتحية دافئة تعيد للذاكرة دفء الليالي الصيفية والأماكن التي عشقت الفن منذ القدم.

وفي أغنيات بالبال، تجلّى الحنين للوطن: احكيلي احكيلي عن بلدي، بيقولو زغيّر بلدي، مصحوبة بلمسات فيليمونيةخفيفة تلمع كندى الفجر على أوراق الصنوبر، لتضيف عمقًا وهدوءًا وسط أجواء الأمسية.

وكان لافتًا الحضور الشعري والأدبي للشاعر والصحافي زاهي وهبي، الذي أضفى على السهرة رونقًا خاصًا بكلماته المفعمة بالمعاني.

في كلمته، استحضر وهبي الوطن الرحباني بكل رموزه، وأهدى تحيّة مميّزة إلى فيروز التي وصفها بأبدع الأوصاف، مستذكرًا حزنها الكبير على ابنها المبدع زياد. وقد ألقى مقطعًا من نصّه الشعري المؤثّر الذي حمل في كلماته وجعًا وسموًّا، فغمرَت الساحة بإحساس يليق بليلةٍ رحبانيةٍ لا تُنسى.

أما لوحة فخر الدين، فكانت مجموعة أغاني الدبكة الرحبانية المميزة، كل لحن ينبض حيويةً وإيقاع، قبل أن تُختم اللوحة بأنغام وحيات اللي راحو، تحية لكل الأبطال الذين غادروا الحياة وتركوا أثرهم في ذاكرة الوطن.

ولمّا بدا أنّ الليل قد أعطى كل أسراره، جاء الختام على إيقاع هيلا يا واسع، أغنية انفجرت كبرقٍ من فرح، فامتزج التصفيق بصوت الريح بين الصنوبر، وبدت بكاسين كلّها كأنها ترقص مع القمر.

كانت تلك الليلة أكثر من حفلٍ موسيقي؛ كانت وعدًا يتجدّد بأن الفنّ يعلو فوق الجراح، وأن لبنان، حين يغنّي الرحابنة على أرضه، يصير كلّه كنيسةً وباحةً وسماءً واحدة.