
تحقيق “التايمز” يكشف صفقتَين خليجيّتَين لترامب
صفقة عملات مشفّرة بقيمة 2 مليار دولار، واتفاق لبيع شرائح إلكترونية ثمينة للإمارات العربية المتحدة، كانتا متداخلتَين بطرق لم يُكشف عنها سابقاً.
توضّح صفقتان ضخمتان مدى ربحية صفقات العهد الترامبي القصوى بالنسبة إلى الرئيس وأشخاص في دائرته المقرّبة. إحداهما تضمّنت صفقة بقيمة 2 مليار دولار، أبرمتها شركة مدعومة من الحكومة في الإمارات، باستخدام عملة مشفرة طرحتها شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال”، وهي شركة أسستها عائلات الرئيس ترامب ومستشاره المقرّب ستيف ويتكوف.
أمّا الأخرى، فهي صفقة بَيع معلّقة لأغلى شرائح الذكاء الاصطناعي في العالم إلى الإمارات، وهي تمنح الدولة الخليجية الصغيرة إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا قد تُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي بل وتُغيّر طبيعة الحروب.
لا يوجد دليل على أنّ إحداهما عُرِضت صراحة مقابل الأخرى. لكنّ تحقيقاً أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” كشف أنّهما كانتا قَيد التفاوض في الوقت عينه، ومن قِبل بعض الأشخاص أنفسهم، وكانتا متداخلتَين بطرق لم يُكشف عنها من قبل.
كان ويتكوف يضغط للسماح ببيع الشرائح إلى الإمارات، بينما كانت شركة عائلته تُبرم صفقة المليارَي دولار مع الإماراتيِّين.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة “وورلد ليبرتي”، المختصة بالعملات المشفّرة ويُديرها آل ترامب وآل ويتكوف، عن اتفاق مع شركة استثمار مدعومة من العائلة الحاكمة في الإمارات. وكانت الشركة الإماراتية ستُجري معاملة بقيمة 2 مليار دولار باستخدام العملات الرقمية لـ”وورلد ليبرتي”، وهي صفقة ستوفّر أرباحاً ضخمة لعائلتَي ترامب وويتكوف.
لكن تزامناً، كان ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ومعه آخرون في البيت الأبيض، يضغطون لمنح الإمارات إمكانية الوصول إلى ما كانت تُريده بشدّة: الشرائح الأكثر تقدّماً في العالم بمجال الذكاء الاصطناعي. شارك ويتكوف في هذا الجدل السياسي عالي المخاطر داخل البيت الأبيض، على رغم من القواعد الأخلاقية الفدرالية التي تحظّر على المسؤولين الأميركيِّين المشاركة في مسائل قد تعود بالنفع المالي على عائلاتهم.
وأعلن البيت الأبيض في بيان، أنّ ويتكوف “لم يشارك” في مفاوضات الشرائح، لكنّه لم يَنفِ أنّه ناقش الصفقة في اجتماعات البيت الأبيض وضغط على زملائه لإنجازها. وعندما سُئلت متحدّثة باسم البيت الأبيض عن احتمال وجود خرق لقواعد تضارب المصالح، ردّت بأنّ ويتكوف كان “يعمل مع مسؤولي الأخلاقيات والمستشار القانوني لضمان التزامه الكامل”.
شارك مستشار بارز آخر لترامب في مفاوضات الشرائح، بينما كان لا يزال يعمل كمدير تنفيذي في مجال التكنولوجيا. ساعد ديفيد ساكس، الذي يشغل منصب “قيصر” الذكاء الاصطناعي والعملات المشفّرة لدى ترامب، في قيادة المفاوضات بين البيت الأبيض والإمارات، حتى أثناء مواصلته عمله كمستثمر في وادي السيليكون.
أثارت هذه الأدوار المزدوجة قلق بعض مسؤولي إدارة ترامب، الذين اعتبروا أنّه من غير المناسب أن يساعد رأسمالي مغامر نشط في إبرام صفقات قد تُفيد صناعته ومستثمري شركته.
حصل ساكس على إعفاءات أخلاقية من البيت الأبيض تعترف بوجود تضارب مصالح محتمل، لكنّها تسمح له بالمشاركة في المناقشات. وأوضحت متحدّثة باسم شركته، أنّه وشركته تخلّصا من استثماراتهما في شركات الذكاء الاصطناعي في الأشهر التي أعقبت بدء عمله مع الإدارة.
وأوضح البيت الأبيض في بيان: “ساكس ليست لديه أي مصلحة مالية في صفقة الشرائح الخاصة بالإمارات”.
مدير تنفيذي عمل في وظيفتَين معاً
فياك لاركِن، خبير تقني يحمل دكتوراه من جامعة ليمريك الإيرلندية، شغل مناصب في الوقت نفسه في شركة ترامب للعملات المشفّرة وفي شركة التكنولوجيا G42 المدعومة من العائلة الحاكمة الإماراتية. وقد أنشأت وظيفتاه رابطاً تجارياً بين “وورلد ليبرتي” والإماراتيِّين، في الوقت الذي كانت فيه الإمارات تسعى للوصول إلى الشرائح.
ولم يكن هذا التداخل الوحيد. فشركة MGX، التي كان من المفترض أن ترسل مليارَي دولار إلى “وورلد ليبرتي”، تخضع لإشراف عضو العائلة الحاكمة الإماراتية نفسه الذي كان يقود مفاوضات الشرائح، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان. كما أنّ أحد أعضاء مجلس إدارة MGX هو المحامي العقاري في نيويورك مارتي إيدلمان، صديق مقرّب منذ فترة طويلة لويتكوف.
وساهمت لورا لومر في إقالة مشارك في مناقشات الشرائح داخل البيت الأبيض في لحظة حاسمة. وحاول بعض مسؤولي إدارة ترامب فرض قيود على بيع الشرائح بسبب مخاوف أمنية وطنية تتعلق بصلات الإمارات الوثيقة بالصين. كان هؤلاء المسؤولون يخشون أنّه إذا شاركت الإمارات إمكانية الوصول إلى تلك الشرائح المتقدّمة، فقد تستخدمها الصين لتسريع جهودها في بناء صواريخ وطائرات مسيّرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
لكنّ تدخّلاً غير متوقع من لومر، الناشطة المحافظة المثيرة للجدل، غيّر موازين القوى داخل البيت الأبيض لصالح الإمارات. ففي أوائل نيسان، أقال ترامب 6 موظفين بارزين في مجلس الأمن القومي، بمَن فيهم ديفيد فايث، الذي كان يضغط لفرض قيود أكثر صرامة على الشرائح. جاءت الإقالات بناءً على توصية لومر، التي كشفت أنّها استهدفتهم لأنّهم لم يكونوا مخلصين بما يكفي لرؤية ترامب للعالم.
بذلك، أصبح ساكس شخصية رئيسة في مفاوضات الشرائح، يمتلك نفوذاً كافياً لتجاوز المخاوف الداخلية في إدارة ترامب بشأن طلبات الإمارات.
لم يُشِر ترامب علناً إلى تورّط الإمارات مع شركته للعملات المشفّرة خلال زيارته للدولة الخليجية الصغيرة. ففي أيار، سافر ترامب إلى الإمارات لتوقيع صفقة الشرائح. وانضمّ إليه ويتكوف، ساكس، الشيخ طحنون، وقادة إماراتيون آخرون في قصر الوطن، القصر الرئاسي.
صُوِّر هؤلاء الرجال النافذين وهم يتفقدون نموذجاً مصغّراً لمرافق التكنولوجيا التي تعتزم الإمارات إنشاؤها باستخدام الشرائح الأميركية التي وافقت إدارة ترامب على مشاركتها.
أشاد الرئيس بالأمراء الإماراتيِّين، لكنّه لم يُشر علناً إلى صفقة المليارَي دولار مع شركته للعملات المشفّرة. وفي الشهر نفسه، زعم لصحافي في “التايمز”: “لا أعرف شيئاً عن صفقة العملات المشفّرة. أنا من كبار المعجبين بالعملات المشفّرة”.