
ذكرى نصرالله الأولى: ولادة جديدة للحزب إعفاءات ومناقلات
هل تكون الذكرى السنوية لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مناسبة لتظهير بعض نتائج التقويمات والخلاصات لورش العمل، التي كان أنشأها حزب الله بعد الحرب الإسرائيلية؟
لا يريد حزب الله أن تكون الذكرى الأولى لاستشهاد أمينه العام عابرة. من التحضيرات وتفاصيلها، يبدو أن التاريخ سيكون يوماً مشابهاً إلى حدّ ما ليوم التشييع، مع فارق أن حزب الله بصدد إطلاق فعاليات للمناسبة ستمتد على مدى 72 يوماً. في رزنامته، تاريخ الحرب الفعلي بدأ يوم شنت إسرائيل 1200 غارة على قرى وبلدات مختلفة من الجنوب، يوم غصت الطرق بالنازحين الجنوبيين، وأمضى فيها الأهالي عشرات الساعات، منهم من تاه، ومنهم من أعياه السفر. طائفة بأكملها هجرت ونُكِبَ آباؤها، وكيف لتاريخ كهذا أن تمحوه الذاكرة. حتى ذاك التاريخ كان يعتبر حزب الله أن ما سبقه من تفجير البيجرز واغتيالات قادته عمليات عدوانية تتعلق بحرب الإسناد.
كلمة مفصلية للأمين العام
ستُحيا الذكرى باحتفال شعبي، يحتضنه مرقد السيد نصرالله، وثانٍ أمام مرقد الأمين العام الخلف السيد هاشم صفي الدين، وثالث في البقاع حيث مرقد الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي. كلمة مفصلية للأمين العام الخلف الشيخ نعيم قاسم ستفتح على مرحلة جديدة. وفي التوقعات أنها قد تتضمن نتائج الورش التي سبق وأطلقها حزب الله لتقويم مرحلة الحرب وما تلاها، مع تحليل الوقائع ومكامن الخلل. سبق وأن توزعت هذه الورش على أكثر من ميدان سياسي واجتماعي وعسكري.
منذ انتهت الحرب، ومني الحزب بما مُني به من خسائر فادحة في صفوف قادته ومسؤوليه، والعدوان الذي لا يزال متواصلاً في استهداف مسؤوليه وعناصره، انخرط حزب الله في ورشة لتنظيم بيته الداخلي وترتيبه، أشبه بنفضة كان يحتاج إليها. تلك الورشة التي تُجسد عملياً مضي مرحلة، والدخول إلى عتبة مرحلة جديدة ومختلفة داخل حزب الله. يمكن القول إن حزب الله عاد إلى ملازمة كتمانه، لم يعد لـ”البهورات” الكلامية مكان في قاموسه. يعبر الحزب من أمين عام فاقت مسؤولياته وتجاوزت حدود الوطن، في ظروف أملت عليه التساهل أو التسامح في مكامن معينة، إلى أمين عام وجد نفسه مضطراً إلى الإمساك بزمام المسؤوليات على اختلافها، ويكون له أسلوبه في تعاطيه، في فترة تستوجب من الحزب شدّ الأحزمة، والاستعداد لما هو أصعب وأخطر.
الحاجة إلى دم جديد
خلاصات عدة انتهت إليها لجان التقويم واستشراف المستقبل داخل حزب الله، لا تزال موضع تشاور ونقاش في بعض نواحي التوصيات التي رفعتها، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمناقلات الداخلية في صفوف المسؤولين. وقد أُعيد النظر والنقاش حول هيكلية الحزب العسكرية والمدنية، وهناك مجموعة أفكار وُضعت للبتّ بها من جانب القيادة، في حين بدأت توصيات أخرى تتبلور عملياً، وبينها تشكيل هيئة للإعلام يرأسها النائب إبراهيم الموسوي، بحيث صارت أقرب إلى مواقع القرار في العلاقة المباشرة مع الأمانة العامة.
وعنوان هذا التغيير انتقال الإعلام الذي كان تابعاً للجسم التنفيذي للحزب يقوده السيد صفي السيد، بما يولّد فراغاً في المجلس التنفيذي يستوجب ملؤه، وهو ما عُمل عليه بصمت. أما الورشة على المستوى العسكري، فيحيطها حزب الله بالكتمان الشديد حتى في دوائره. الشخصية العسكرية التي كانت معروفة، ويمكن لها التنقل بسهولة في الماضي، باتت تعمل بعيداً، وهويتها غير معروفة إلا للحلقة الأضيق من الضيقة داخل الحزب.
في صفوف مسؤوليه الأمنيين والسياسيين، سيكون حزب الله على موعد مع تبدلات، تقصي أو تبدل أدوار البعض على حساب بروز أدوار لآخرين، كانت لهم لمساتهم في صفوف مناصب حكومية أو مسؤوليات أخرى تولوها، وكانوا موضع ثقة وغير تصادميين. في المقابل سيُقلّص حضور آخرين وصلاحياتهم، وإن استُتبعوا بالمكتب السياسي.
ومن الإجراءات التي يعتزم حزب الله السير تنفيذها عملاً بتوصيات اللجان، استبعاد الأشخاص المسؤولين الذين غابوا طوال فترة الحرب، وتخلفوا عن أداء مسؤولياتهم، وبينهم أسماء بارزة.
بعد استشهاد السيد نصرالله شعر حزب الله بأن الواجب يقتضي ضرورة احتضان الكادر القديم، ولا سيما ممن كانوا لصيقين بالسيد، ولكن هذا لا يلغي أن حزب الله بات أحوج ما يكون اليوم إلى إعادة إنتاج قيادات جديدة للمرحلة المقبلة. ومن يقترب من بيئة حزب الله وجمهوره، يشعر بأن مطلب شريحة واسعة من هذه البيئة هو التجديد التنظيمي داخل الحزب، وفي محيطه المباشر.
وعلى المستوى المادي، باشر حزب الله عملية ترشيد النفقات، بما يتناسب وسلّم الأولويات. تلك الأولويات التي يتقدمها اليوم ملف إعادة الترميم والإيواء، على ما عداها من مصاريف اضطر الحزب إلى ترشيدها.
لبنان وطن نهائي لأبنائه
في السياق عينه، ولكن على المستوى السياسي، فقد تركز البحث داخل حزب الله عن استراتيجية المرحلة المقبلة لما بعد الحرب والأولويات: وهل إن المسار الذي سبق وأطلقه السيد نصرالله من أن لبنان وطن نهائي سيكون من أولويات المرحلة المقبلة، مقابل دور كان متسعاً للحزب في الإقليم، لا سيما لناحية القضية الفلسطينية؟ وماذا عن الاستراتيجية الدفاعية وحصرية السلاح؟
في الشق الأول من السؤال، سيعيد حزب الله تأكيد أولوياته لجهة أن لبنان وطن نهائي لكافة أبنائه، وسيعلن ورقة سياسية تتضمن رؤيته للمرحلة المقبلة في القضايا الداخلية، ليعلن انخراطه أكثر في العملية الداخلية بوصفه حزباً سياسياً، ومقاومة للدفاع عن لبنان حيث يجب. أما الاستراتيجية فلها جوانب أخرى، وتفاصيل مختلفة.
لحزب الله موعد مع ذكرى أولى لسيد، لا يزال حضوره أقوى من الغياب في أوساطه كما الجمهور، و”إنّا على العهد” سيقولها الحزب لأمينه العام، بقصد تأكيد دور الحزب وأدائه وحصانته الداخلية، بعد الثمن الباهظ الذي دفعه.