
خاص- الاغتيال في لبنان: دم يوحّد وذاكرة تفرّق
منذ أن دوّى انفجار الرابع عشر من أيلول عام 1982 واغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميّل قبل أن يدخل قصر بعبدا، تكرّس الاغتيال كأداة لصياغة المشهد اللبناني وفق الأهواء الدولية. لم يكن بشير ضحية صراع داخلي فحسب، بل رسالة إقليمية ودولية قطعت الطريق على مشروع سياسي كان يسعى إلى إعادة تموضع لبنان في الصراع العربي–الإسرائيلي. ومع اغتياله تبدّلت الموازين، وبدأت مرحلة جديدة في الحرب.
قبل ذلك بخمس سنوات، كان اغتيال كمال جنبلاط في آذار 1977 قد غيّر اتجاه الرياح في الحرب اللبنانية. الرجل الذي رفض الانضواء تحت الوصاية السورية دفع حياته ثمناً لموقفه، فاستُبدلت معادلات الداخل بقرار إقليمي صريح، ومالت الكفّة لمصلحة التدخل السوري العسكري والسياسي.
في شباط 2005، وقع الزلزال الذي حمل اسم رفيق الحريري. اغتياله لم يكن استهدافاً لشخصية سنّية بارزة فقط، بل بوابة لمرحلة جديدة، فيها ضغط أميركي–فرنسي متزايد، وخروج للجيش السوري من لبنان بعد ثلاثة عقود. دم الحريري نقل لبنان من زمن الوصاية إلى زمن الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار، وأعاد رسم خطوط اللعبة الداخلية على إيقاع التدخل الدولي المباشر.
وأخيراً، في أيلول 2024، كان اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حدثاً يتجاوز حدود لبنان. هنا لم يعد السؤال عن الداخل اللبناني، بل عن ميزان القوى بين إسرائيل وإيران، وعن حسابات الولايات المتحدة وحلفائها. الرسالة كانت واضحة: رأس حزب الله هدف استراتيجي، واغتياله أداة لتعديل التوازن الإقليمي، فيما لبنان مجرّد ساحة ارتدادات.
هكذا، من جنبلاط إلى الجميّل، ومن الحريري إلى نصرالله، يتضح أن الاغتيال في لبنان لم يكن يوماً محكوماً بالانقسام الطائفي وحده. بل كان انعكاساً لصراع دولي–إقليمي، يتغيّر معه وجه الداخل وفق ما تقتضيه مصالح الآخرين. وفي كل مرة، يدفع اللبنانيون الثمن: فراغ سياسي، فتنة، دماء، وحروب صغيرة وكبيرة.
لكن، إذا كان الخارج لا يفرّق بين ماروني، درزي، سني، وشيعي، فهل يُعقل أن يستمر الداخل في انقسامه؟ إذا كانت الاغتيالات تستهدف الجميع، ألا تكون العبرة أن خلاص لبنان لا يأتي من أي محور، بل من مشروع داخلي جامع؟
إن الخروج من دائرة الدم يبدأ بترسيخ دولة حيادية، لا تُستخدم كساحة بل تُبنى كوطن. دولة تقوم على ثلاث ركائز واضحة:
1. جيش واحد يحتكر السلاح ويحمي الحدود.
2. سلطة سيادية لا تخضع لوصاية الخارج.
3. حياد فاعل يقي لبنان صراعات الآخرين ويُعيده مساحة لقاء وحوار.
لقد آن الأوان أن يتحوّل الدم الذي كُتب على صفحات لبنان من أداة لتبديل الموازين إلى أساس لمصارحة ومصالحة وطنية. فلبنان لا يُبنى بدم زعيم يسقط كل عقد، بل بدولة قادرة تحمي أبناءها وتحصّن مستقبلهم