“تكديس” قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة: هل هي “هواية عربية”!؟

قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية نصر ديبلوماسي لن يرى طريقه إلى الترجمة ما لم تعد أيام العجائب ومنها في 22 أيلول الجاري.. وعليه فان أي قرار إضافي عنها يضاف على لائحة القرارات التي لم تنفذ منذ العام 1948
منذ العام 1948 تاريخ صدور قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، وحتى القرار الأخير الذي صدر الجمعة الماضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، تطول لائحة القرارات الخاصة بفلسطين. وعلى رغم من أنّ الولايات المتحدة صوتت مؤيّدة بعضها، لم ير أي منها النور. وهو ما أوحى بوجود “هواية عربية” بتجميع مثل هذه القرارات التي لا طريق إلى تنفيذها إلّا عبر مجلس الأمن، حيث ينتظرها “الفيتو” الأميركي. وعليه، تتّجه الأنظار إلى المؤتمر المقرر في 22 الجاري في نيويورك. فهل من أمل في خطوة غير مسبوقة؟
في مسلسل القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية مَن بُنيت عليها الآمال الكبيرة، ولا سيما منها القرار 194 الذي أعطى الفلسطينيين الحق بالعودة إلى ديارهم، وعند صدوره عبّرت الدول العربية عن فرحتها بالانتصار الإلهي الذي حققته ديبلوماسيتها، لأنّه سيعيد ملايين الفلسطينيين إلى أرضهم الموعودة. كان ذلك قبل أن يجري جمعهم في المخيمات التي خصّصت لها الرهبانيات اللبنانية المارونية وبعض الأوقاف الأخرى أراضيها، لتفريغ المدارس والمؤسسات التي آوتهم ومعها مراكز التجمّع الأولى التي اعتقدوا انّهم سيقضون فيها اسابيع وربما اشهراً عدة قبل العودة إلى مدنهم وقراهم في فلسطين.
وقبل القرار الأممي الأخير، أُقرّ بغالبية 142 دولة ومعارضة 10 وامتناع 12 آخرين، وهو الخاص بالتمسك بمشروع “حل الدولتين” كما نصّت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي عام 1948 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة يهودية وأخرى عربية. لا ينسى أصحاب الذاكرة “المتقدة” أنّ إسرائيل كانت دائماً تواجه هذه القرارات منذ لحظة صدورها بردّ فعل عسكري، كان أخطرها وأكبرها عام 48 عندما ردّت على القرار بالتقسيم، بالسيطرة التامة على الجليل الأعلى والضفة الغربية حتى مجرى نهر الأردن، قبل أن تسيطر على صحراء سيناء والجولان عام 1967. ولم ينته هذا المسلسل بمعزل عن الحروب التي جاءت بها المنظمات الفلسطينية إلى لبنان في أكثر من اجتياح، إلّا في العام 1973، عندما استعادت مصر صحراء سيناء ومعها سوريا التي استعادت مدينة القنيطرة وقرى محيطة بها.
وإلى هذا المسلسل، لا يمكن تجاهل مجموعة اخرى من القرارات، التي لو قيّض لها أن ترى النور لتغيّر واقع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ومناطق الـ 48 كما تسمّيها إسرائيل. بحيث يمكن التذكير بالقرار 3236 الذي صدر عام 1974 الذي اعترف بحق الفلسطينيين في السيادة على أراضيهم ولم توافق عليه واشنطن. والقرار 3237 الذي صدر عام 1974 ومنح منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الجمعية العمومية للامم المتحدة. قبل أن يُضاف إليهما القرار 3379 عام 1975، وقال “إن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز”. واتبع بالقرار 124/59 عام 2004 الذي ندّد بالممارسات الإسرائيلية التي تمسّ بحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة ومن ضمنها القدس الشرقية. وتوّجت بالقرار 67/19 عام 2012 بإضفاء صفة دولة على السلطة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة. والذي سمح أيضاً بصدور القرار 69/320 عام 2015، الذي سمح للدول المراقبة غير الأعضاء بوضع العلم في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك. وفي العام 2017 صدر القرار 10/19 الذي قضى بوضع القدس مدينة مفتوحة، وتمّ تبنيه خلال الجلسة الخاصة الطارئة العاشرة للجمعية العمومية، بموافقة 128 دولة صوتت لمصلحة القرار وعارضته 9 وامتنعت 35 وتغيّبت 21 دولة، ولم تصوّت الولايات المتحدة مع القرار.
لم تكن هذه الجردة سوى للإشارة بنحو دقيق وحاسم لا يرقى اليه شك، انّ احتفالاً بصدور قرارات عن الامم المتحدة لا يعدو كونه بوابة إلى انتصارات ديبلوماسية وسياسية قد تكون وهمية. فقرارات الجمعية العمومية ليست نافذة، وهي في أقصى الحالات المحتسبة توفر دعماً معنوياً لا يجب أن تُبنى عليها آمال صعبة المنال، إن صدق من نال بعضها من حقوقه نتيجتها الخيبة لاحقاً. ففي دولة كإسرائيل التي تحظى بدعم اميركي وغربي قوي، لم ترضخ يوماً لقرارات الامم المتحدة كما تلك التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي أيضاً وبقيت 22 عاماً على تنفيذ القرار 425 الذي قضى بانسحابها من الجنوب عام 1978 ولم يُنفّذ قبل 25 ايار عام 2000.
وإلى القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، لا بدّ من التوقف أمام مجموعة اخرى من قرارات مجلس الأمن الخاصة بالقضية الفلسطينية، التي في معظمها بقيت بلا تنفيذ، اما انّها تجاهلتها إلى النهاية الحتمية التي أدّت إلى نسيانها. فبعد قيام السلطة الفلسطينية تعددت القرارات التي عالجت الأحداث الأمنية والدموية بحق الفلسطينيين من دون أي أثر. وإن توقف المراقبون أمام البعض منها، يتذكرون القرار 2334 الصادر في 23 تشرين الثاني 2016 وتضمن إدانة لاستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية، فصوّتت إلى جانبه 14 دولة، ولما امتنعت الولايات المتحدة بقي حبراً على ورق. ولم ينفع القرار بلجم الإجراءات الإسرائيلية التي تخالف القوانين الدولية الإنسانية، وتلك الإجراءات تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية ووضع الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن بينها بناء وتوسيع المستوطنات، تنقل المستوطنين الإسرائيليين، مصادرة الأراضي، هدم البيوت وتهجير المدنيين الفلسطينيين.
وإلى هذا القرار الذي لو نُفّذ لتغيّرت أمور كثيرة، يمكن الإشارة إلى القرار 1860 الصادر في 8 كانون الثاني 2009، الداعي إلى وقف النار في غزة، وقبله كان القرار 1397 عام 2000 الخاص بوقف الردّ على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ولم تصوّت إلى جانبه واشنطن وحدها، بعدما نص على انسحاب إسرائيلي كامل من غزة. كما سُجّلت قرارات أخرى في اعوام عدة منها القرار 1435 عام 2002 الخاص بإخلاء مقر الرئاسة الفلسطينية التي كان يشغلها الرئيس ياسر عرفات في رام الله. كما دقّ القرار ناقوس الخطر على إعادة احتلال المدن الفلسطينية، وفرض القيود على حرّية حركة المواطنين والبضائع والحاجة إلى احترام ميثاق جنيف الرابع لعام 1949.
وختاماً، فيما لا يمكن الإشارة إلى بقية القرارات، فإنّ التصويت الواسع الذي حظي به اقتراح الاعتراف بالدولتين بناءً للمساعي الفرنسية والسعودية، سيبقى حبراً على ورق إلى أجل مسمّى، في انتظار المؤتمر الذي تنظّمه الدولتان في 22 ايلول الجاري في نيويورك، لمعرفة النتيجة التي يمكن أن تتحقق.
وعليه، فإنّ العرب يحفظون في أرشيفهم الديبلوماسي والسياسي مجموعة القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبعض ممن صدر عن مجلس الأمن، إلى أن تأتي التطورات المعاكسة، وسط اعتقاد أنّ أيام العجائب لم تعد بَعد.