ضياع شامل

إنها الثامنة إلا ربعًا. الأوتوكار تحت البناية في حارة صخر يطلق زمّورًا مزعجًا ترجمته الحرفية «خلصينا بقا نزلي يا وَجْدْ». فوق، في الرابع، الوالدة تنتف شعرها لأن ابنتها وَجْدْ وجدت الـ book work ولم تعثر على الـ book الذي يزن لوحده 1،4 كيلوغرام وسعره 101 يورو «وبلا اليورو» قال صاحب المكتبة للشارية في بداية الشهر الكارثي. أصحاب المكتبات فيض من الكرم.

في بيت كسرواني آخر «شربولا»، إبن الستة أعوام يناحر بسما أبويه إذ أضاع فردة جورب مطرّز بشعار فريق تشلسي الإنكليزي ولا يمكن لأي قوة محليّة أو إقليمية إجباره على التوجه إلى المدرسة بجوارب فريق بالميراس البرازيلي. استنفرت العائلة بحثًا عن الجورب المفقود من دون أن تعثر له على أثر. أي سرّ خلف فقدان الجوارب؟ هل فكّر الكاتب جورج سيمونون بحلّ هذا اللغز؟

تختفي الجوارب في كل زمان ومنزل، كما الموبايل. إن ضاع منك لا تحاول تعقّب صوت رنته الصباحية بعدما وضعته طوال الليل في حال صمت تام. قد تعثر عليه بعد الاستعانة بكلب بوليسي في واحد من أكياس السوبر ماركت وربما في كيس البطاطا أو على «ضهر البرّاد» أو…أو. كل الاحتمالات واردة.

من دون الموبايل ضياع. ومعه ضياع. في البيت كل شيء يضيع: فتّاحة النبيذ. المشاية بإصبع وتوأمها. مفاتيح السيارة. فاتورة الموتور. المحفظة. الشاحن. كميون الشحن. مقص الأظافر. «العوينات». آه العوينات. فقدانها صعب. الأفضل ألّا تبحث عنها. تخرج من البيت تضيع في طرقات الوطن إن صادفتك تحويلة لم تحسب لها حساباً. من دون تحويلات موقتة ضياع على طريق ضبيه البحرية وفي الغبيري ضياع وفي أحياء بيروت وضواحيها. تصف سيارتك عند المغيب على بعد كيلومتر من المكان المقصود في الطريق الجديدة تمضي سهرة أنيسة. في قارعة الطريق تحك «قرعتك» البشعة لتحريك الذاكرة المتعبة. تسأل نفسك تكراراً: وين صفّيت السيارة. جدها يا بطل.

في ممرات السوبر ماركت لا خوف على ضياع الأطفال فإن أفلتّ  ابنتك ستجدها قرب رفوف الشوكولا لكن المهم ألّا تضيع وأنت تبحث عن أصابع كندر وما يوازيها حلاوة.

نواب الأمة ضائعون لأي قانون انتخابات قد يصوّتون. المغتربون ضائعون. يُشحنون إلى لبنان على حساب المرشحين أو يبقون حيث هم في انتظار قرار نبيه بري الكليّ الطوبى.

الوزراء ضائعون أي طريق يسلكون؟ دلّهم يا نوّاف. أفصح عما تضمره.

حتى «حزبُ الله» ضائع في اختيار الأنسب لتعليق صورة عملاقة تجمع سيد الشهداء وهاشم صفي الدين: أعلى صخرة الروشة أو في ساحة الشهداء؟ أي من الموقعين مستفز أكثر؟ ومم تشكو بناية برّو في الغبيري؟