خاص – علاقة “الحزب” والدولة: “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”

خاص – علاقة “الحزب” والدولة: “فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
19 أيلول 2025

لم يخرج “حزب الله” من الحكومة، وأصرّ على العودة إلى حضور جلساتها، على رغم اعتراضه على القرارات الأخيرة التي اتُّخذت حول حصرية السلاح وتكليف الجيش القيام بذلك. فليس لديه خيار آخر في مرحلة ضعفه الحالية غير الاختباء خلف الدولة، ليحمي رأسه. ولكنّه في الوقت عينه، لا ينفّذ ما تريده الدولة من تسليم السلاح. فهل تسمح له هذه الازدواجية بالنجاة؟

هو يحاول تمرير المرحلة بالتي هي أحسن. يوافق على مبدأ حصرية السلاح، ولكن ليس على الطريقة والتوقيت. يستفيد من المهل المفتوحة في خطّة الجيش، ولا يقطع التواصل مع بعبدا. يتعهّد تسليم السلاح جنوب الليطاني لتهدئة إسرائيل، ولكنّه لا ينفكّ يحاول إعادة التسلح والحصول على التمويل. هو لم يقرّ بالخسارة بعد، وينتظر اللحظة المناسبة لاستعادة قوّته.

يعيش “الحزب” حالياً في مرحلة من انعدام الوزن. يطلق التهديدات الكلامية ضدّ من يريد نزع سلاحه. هو غير قادر على المبادرة عسكرياً، فيما إسرائيل تستبيح الجنوب والبقاع، وقد صعّدت أمس من غاراتها على قرى جنوبية. هو خائف على وضعه الداخلي بعدما تراجعت سطوته على مؤسّسات الدولة، ويخشى من أن يتراجع أكثر بعد الانتخابات النيابية المقبلة. كما أنّ “الحزب” حائر في شأن إيران، ولا يعرف مصيرها أو أيّ توجّه ستسلك. وجلّ ما يفعله اليوم هو الصمود لتمرير المرحلة الصعبة.

ويحاول “الحزب” التأقلم مع المرحلة الجديدة، ولكن من دون التخلّي عن سلاحه، حتّى لو أنّ استعمال هذا السلاح ضدّ إسرائيل لم يعد متاحاً، كما أنّ استعماله في الداخل صار غير ممكن. وهو يجري مراجعات لسياساته، ويبحث عن السبل التي تجعله يتواءم مع المرحلة الحاضرة.

ومن هذه الطرق البقاء في صلب مكوّنات السلطة. فهو يعتبر أن أيّ خروج من الحكومة لن يكون في صالحه، وأنّ اللجوء إلى التعطيل تحت تسمية “الميثاقية” لم يعد ينفع. ومن الأفضل له أن يعيد بناء الجسور مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أيضاً. وقد حصل تواصل في هذا المجال بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

وكان لافتاً  اللقاء الذي عُقد بين مستشار رئيس الجمهورية أندريه رحّال والنائب محمّد رعد، بهدف إعادة وصل الجسور مع بعبدا. ويأمل “الحزب” من وراء ذلك في استكمال “الحوار” حول حصرية السلاح، بما يعطي صورة وكأنّ الموضوع هو محلّ نقاش وأخذ وردّ، وليس قراراً للتنفيذ. فصورة التحاور مفيدة للحزب الآن. وهو لا يكسر الجرّة مع بعبدا، لأنّه في حاجة إلى إبداء إيجابيّته والاستفادة من كون الخطّة الأخيرة للجيش غير محدّدة بمهل، ويمكن أن تبقى بلا تطبيق لأمد طويل.

كما أن الحكومة التي قامت بما عليها في ملفّ السلاح، قبل أن ترميه في ملعب الجيش، تجد نفسها مرتاحة إلى تأجيل أيّ احتمال لحصول مشاكل أمنية داخلية، وإلى عدم اضطرارها للمواجهة مع طرف يمثّل غالبية في الوسط الشيعي، أو إقحام الجيش في مواجهات من هذا النوع. ويبدو أنّ الحكومة تفضّل انتظار ما ستؤول إليه التطوّرات الإقليمية والدولية، بدلاً من أن تقدِم وتهدّد البلد بتوتّرات أمنية.

في أيّ حال، قال الجيش في بيانه الذي أصدره حول الغارات الإسرائيلية العنيفة في الجنوب أمس إن “هذه الاعتداءات والخروقات تعيق انتشار الجيش في الجنوب، واستمرارها سيعرقل تنفيذ خطته ابتداءً من منطقة جنوب الليطاني”. وهذا الكلام يشكّل إشارة لافتة لا يمكن إغفال معانيها. وتبدو إسرائيل من خلال تصعيدها، كأنّها تعطي المبرّرات للحكومة اللبنانية وللحزب في الوقت عينه، لعدم سحب السلاح، حتّى في جنوب الليطاني، فكم بالحريّ في شماله وباقي المناطق اللبنانية في البقاع وبيروت.

في أيّ حال، لا يبدو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مهتمّاً بتقديم أيّ “تنازلات”، سواء في غزّة التي يدكّ مبانيها بعنف غير مسبوق، أو في سوريا حيث يريد الإبقاء على احتلاله، ولو تمّ التوصّل إلى اتّفاق أمني بين دمشق وتلّ أبيب، وكذلك في لبنان حيث لا يجد نفسه معنيّاً بالقيام بأيّ خطوات، في مقابل الخطّة التي أقرّتها الحكومة لحصر السلاح.

وفي ضوء التصعيد الإسرائيلي في غزّة، تسود مخاوف من عودة الحرب الواسعة في لبنان، بعد الانتهاء من العمليّات في القطاع. وهذا ليس بالأمر المستبعد على الإطلاق. لذا، فإنّ مسار لبنان نحو نزع السلاح وبناء الدولة محفوف بكثير من المخاطر. فإسرائيل لم تقرّر بعد إنهاء الحرب على “جبهاتها السبع”. وهذا يعني أنّ هناك متغيّرات كثيرة مقبلة، ولا يمكن من الآن معرفة مآل الأمور في المنطقة.