
سلاح وإصلاح تحت نار الغارات… ولا دولار
تصل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس يوم الأحد المقبل إلى لبنان لتشارك في اجتماع “الميكانيزم” وتشرف على تنفيذ خطّة الجيش لحصر السلاح بدءاً من جنوب الليطاني. بالتزامن، تصل بعثة صندوق النقد إلى بيروت هذا الأسبوع للإشراف على قانون إعادة الانتظام المالي تحضيراً لاجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد في واشنطن. بينهما تلعب فرنسا، دوراً في الدفع باتجاه عقد مؤتمر لإعادة الإعمار قبل نهاية العام محاولة إقناع واشنطن والرياض الذين لهما رأي آخر. أما الغارات المستجدة بشكلها، فهي رسالة واضحة، أنّ أمن إسرائيل أولاً، وأنّ لبنان يعيش حالة استنزاف طويلة إلى أن تقرّر إسرائيل وحدها، وقف ذلك.
أحد أهم المهام التي ستتولاها أورتاغوس في المرحلة المقبلة هي مراقبة تنفيذ خطّة الجيش جنوب الليطاني. ستعود لتحضر اجتماع “الميكانيزم” لهذه الغاية. لكن في المقابل، ستصطدم مهمتها بموقف لبنان الرسمي الذي سيسمعه المجتمع الدولي، تماماً كما كان الكلام في كواليس القمّة العربية الإسلامية. تحدثت مصادر مطلعة على لقاءات رئيس الجمهورية جوزف عون أنّه أكّد موقف لبنان الداعم لتنفيذ خطّة الجيش، لكن في المقابل، لا يمكن لهذه الخطّة أن تستكمل في جنوب الليطاني إلا بانسحاب ولو تدريجي للاحتلال الإسرائيلي كي يتفرّغ الجيش لاحقاً لينفذ مهمته في شمال الليطاني.
هذا الموقف، الذي يُجمع عليه الرؤساء الثلاثة في لبنان، سيكون موضع نقاش في المرحلة المقبلة، على اعتبار أنّ إسرائيل ستبقي على احتلالها حتى إنهاء الجيش لخطته تحت رقابة دولية، تحديداً تحت رقابة “الميكانيزم”، والدور الأميركي فيها.
في الأثناء، ستصل بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة أرنيستو ريغو إلى بيروت في مهمة واحدة: الإشراف على مناقشات ما قبل تقديم قانون إعادة الانتظام المالي أي توزيع الخسائر. في معلومات “أساس”، أنّ الدفع يتجه إلى إقرار القانون قبل نهاية العام ليفتح الطريق أمام مؤتمر إعادة إعمار لبنان في الجزء الأول من العام 2026.
تباين فرنسي مع واشنطن والرياض
في الوقت الذي تتحضّر فيه باريس لاستضافة مؤتمر دعم الجيش اللبناني بدفع سعودي أميركي، تحدثت الكواليس الدبلوماسية عن تباينات حول مؤتمر دعم لبنان وإعادة الإعمار. وفق مصادر دبلوماسية، تدفع فرنسا باتجاه عقد مؤتمر في الأشهر الأولى من العام المقبل، ربطاً بتنفيذ لبنان للإصلاحات الاقتصادية وآخرها إقرار قانون توزيع الخسائر. إلّا أنّ واشنطن والرياض بحسب المصادر الدبلوماسية، يرفضان المقترح الفرنسي ويربطان المؤتمر والدعم بإصلاحات مختلفة، ليس فقط اقتصادية بل أمنية أيضاً وأهمها حصر السلاح.
على الرغم من الضغط الفرنسي، إلّا أنّ دور باريس سيكون محدوداً بحسب هذه المصادر، لأنه لا قدرة لها على التمويل، وهي محكومة بتمويل الخليج غير متوفر بانتظار حصر السلاح، وبحاجة للقرار السياسي من واشنطن وهو أيضاً غير متوفر حتى الساعة بانتظار القرار الأمني.
لذلك تقول المصادر الدبلوماسية إنّ لبنان لن يحصل على دولار واحد، لا بالاستثمارات ولا بالإعمار بانتظار استكمال رسم الخريطة السياسية والأمنية للبلاد.
غارات جنوباً وبقاعاً: أمن إسرائيل أولاً
بالتوازي مع حجب الدعم عن لبنان بانتظار استكمال المسار المطلوب منه، لا تتوقف إسرائيل عن تثبيت موازين القوى الناتجة عن الحرب السابقة في استباحتها الجوية لكل لبنان. وهي من خلال الغارات الأخيرة التي اعتبرت نقلة نوعية في غارات ما بعد الحرب، تصر على القول إنّ أمنها أولاً واخيراً، وإنّ مسار الاستنزاف مستمر إلى أن يقرّر لبنان و”الحزب” معاً حصر السلاح وتأمين المنطقة العازلة على الحدود الجنوبية.
في المقابل، إنّ موقف لبنان الذي بدا في لقاءات الدوحة على هامش القمّة، أكده بيان الجيش اللبناني الذي علّق على الغارات قائلاً: “إنها خرق يمنعه من استكمال مهمته”.
أما “الحزب”، فوجد في كل هذا التصعيد الإقليمي مساحة أكثر راحة له وأقل ضغطاً عليه من المرحلة السابقة. إذ، يعتبر أنّ الاستباحة الإسرائيلية لقطر، قد أسقطت المظلة عن الجميع، وبالتالي قد تكون أيضاً، شرّعت كل وسائل الدفاغ عن النفس، بما فيها السلاح الخارج عن شرعية “الدولة”.
بحسب المعلومات الدبلوماسية، إنّ أخطر ما يعيشه اللبنانيون اليوم، هي حياتهم تحت وطأة الاستنزاف الأمني في المرحلة المقبلة، على وقع أخبار الغارات المستمرة، من الجنوب إلى البقاع وربما بيروت، وصولاً إلى حصار مالي محكوم جداً على لبنان، ليس فيه بصيص أمل بأي دولار يدخل على البلد، ما دام “الحزب” مسلحاً، وما دامت السلطة اللبنانية عاجزة عن حصر سلاحه، ولو تحت الاحتلال.