
اورتاغوس في بيروت للمرة الثانية بـ “لباسها العسكري”!
تتعزز القناعة يوما بعد يوم بأن مهمة اللجنة العسكرية الخماسية ستتعدى مهامها الحالية لتواكب تفكيك “اليونيفيل” وادارة المرحلة التي تليها الى جانب الجيش اللبناني. وعليه: وطالما ان اورتاغوس لن تلتقي مسؤولين سياسيين هل يمكن أن تظهر في أروقة “اليونيفيل” بلباس عسكري.
تعود الموفدة الرئاسية الاميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان، وهدفها المشاركة في اجتماع الخماسية العسكرية في الناقورة، للمرّة الثانية في خلال أسبوعين، إلى جانب رئيسها الجديد الذي يتسلّم مهمّاته الجديدة غداً. وكل ذلك يجري من دون أن تلتقي بأي من المسؤولين اللبنانيين، كما فعلت في زيارتها الأخيرة برفقة قائد المنطقة الوسطى الأميركية الادميرال براد كوبر. وهو ما أوحى باحتمال أن نرى أورتاغوس غداً باللباس العسكري. فهل تفعلها؟
تجاوز الوسط السياسي ما أوحت به الزيارة الاخيرة لاورتاغوس ومعها الادميرال كوبر في السابع من ايلول الجاري الى لبنان مكتفية باللقاء الذي جمعها بأعضاء الخماسية العسكرية الاميركية في الناقورة والجولة التي قامت بها مع كبار الضباط الدوليين والجيش اللبناني فوق منطقة جنوبي الليطاني من دون اللقاء بأي من المسؤولين المدنيين. وكل ذلك كان من اجل الاطلاع على ما انجزه الجيش اللبناني ومعه قوات “اليونيفيل” وما يحتاجه للمهام الاضافية المطلوبة منه، منذ ان بدأت عملية تفكيك وتفريغ وتدمير مراكز “حزب الله” في المنطقة وجمع الاسلحة الموجودة فيها عملا بما قال به تفاهم 27 تشرين الثاني 2024.
وفي الوقت الذي عدت فيه الزيارة الاولى بانها جاءت بعد يومين على تقديم خطة الجيش اللبناني الى مجلس الوزراء في الخامس من ايلول وتكليفه بـ “حصر السلاح” غير الشرعي في لبنان على مراحل تبدأ من المنطقة جنوب الليطاني قبل الانتقال الى المرحلة العملية الاولى منها. فالزيارة الجديدة ربما هي لمواكبة أولى التقارير الشهرية المطلوبة حول ما يمكن أن ينجزه الجيش من الخطة التي بقيت متلازمة مع برنامج متحرك ارتبطت مراحله بما يمكن أن يأتي به الوسيط والراعي الأميركي ومعه شريكه الفرنسي من خطوات اسرائيلية مقابلة يمكن ان تلاقي كل مرحلة من مراحل حصر السلاح بطريقة تحيي المشروع السابق الذي بني على مبدأ الخطوة مقابل خطوة بقدر المستطاع.
وعليه بقيت التحضيرات الجارية للزيارة الجديدة لاورتاغوس ان تمت في موعدها المتوقع غدا، محصورة باللجنة العسكرية الخماسية وما يمكن أن ينتج عنها من خطوات يقدر أنها تشكل نقلة نوعية في مهمتها التي ما زالت جوانب منها غافلة عن الإعلام. فكل الاستعدادات والخطط الموضوعة تتحدث عن آلية جديدة تعتمدها ويمكن ان تكون اكثر تشددا وصرامة من قبلها، ليس بالنسبة الى الجانب اللبناني بقدر ما تكون مرهونة بالإجراءات التي ستتخذها “اليونيفيل” في فترة التمديد الاخيرة لولايتها، وما ستكون عليه ردة فعل الاسرائيليين. فالظروف تغيرت ومعها كل المعطيات عندما جاء التمديد الاخير لهذه القوات رهن موعد البدء بتقليص قواتها بطريقة لم تعد قابلة للنقاش، كما أوحت به الحملة الديبلوماسية التي غيرت من وجهة ودور هذه القوات وجعلتها في مراحلها الاخيرة.
والى هذه المعطيات المتعددة الوجوه والتي ما زالت في بعضها غامضة ينتظر أن تتغير الامور مع تسلم القائد الجديد للجنة الخماسية والذي لم تشر المعلومات لدى الجانب اللبناني بعد عن هويته الشخصية، وان كان يرافق السيدة اورتاغوس غدا أم لا . فكل ما هو معلوم انه ضابط كبير تابع للمنطقة الاميركية الوسطى وستكون له مهمة تتجاوز ولاية “اليونيفيل:” بالتأكيد. وستتعداها إلى شكل ومضمون القوة البديلة التي قد تكون على شكل فريق من المراقبين الذين سيتولون مهمتها في مراقبة الحدود الجنوبية مع اسرائيل بطريقة تضمن تنفيذ اي اتفاق جديد يمكن التوصل اليه بعد الانتهاء من مرحلة “وقف العمليات العدائية”. وهي مرحلة غامضة ولم تتوفر بعد المعطيات التي ستتحكم بها وما ستكون عليه التركيبة الجديدة للجنة العسكرية التي إن صحت المعلومات المتداولة فان أولى بوادرها ستظهر مع توسعة فريق رئيس اللجنة الأميركي. وهو سيكون اكبر مما هو عليه اليوم وقد ينضم اليه ضباط فرنسيون آخرون وربما من جنسيات مختلفة لتشكل الهيئة الدولية الجديدة التي ستشرف على الوضع بعد نهاية مهمة “اليونيفيل” نهاية العام 2026 وسيواكبون مرحلة تفكيكها عام 2027 وخصوصا أن المهمة العسكرية الكبرى ستكون على عاتق الجيش اللبناني والقوى العسكرية والامنية اللبنانية الاخرى دون غيرها.
عند هذه العناوين الرئيسية، تتداول الاوساط العسكرية والامنية معلومات جديدة مرتبطة بأولويات جمع الاسلحة بعد الانتهاء من منطقة جنوب الليطاني. فالجانب الإسرائيلي أظهر في الاجتماع الأخير للجنة العسكرية قبل اسبوعين انه يفضل ان تنتقل مهمة الجيش بعد جنوب الليطاني الى البقاع بدلا من منطقة ما بين مجراه ونهر الأولى حيث تنتشر قواعد إطلاق الصواريخ البعيدة المدى ومصانع تجميعها ومعها الطائرات المسيرة. وهي معلومة أكدها الجانب الايراني بحسب الطرح الاسرائيلي والاميركي الذين أجمعوا على القول ان ايران ساعدت اذرعتها في المنطقة منذ فترة طويلة على عملية التجميع والتصنيع ولم تعد ملزمة بتوفيرها كما كانت من قبل وهو امر قد يغير من أولويات خطة الجيش.
وعليه تعترف اوساط سياسية لبنانية، ان مثل هذا التوجه قد يغير في برنامج قيادة الجيش، قد يتغير وربما كانت هذه القيادة على بهذه المتغيرات، فلم تبلغ مجلس الوزراء بمهل محددة ولا بخطط مبرمجة بالصيغة التي كانت مطروحة من قبل. وهو ما سيحاول لبنان الرسمي استثماره مع الجانب الاميركي بطريقة ايجابية تلزم الادارة الاميركية بممارسة المزيد من الضغوط على اسرائيل للتفكير بخطوة مماثلة ليس اقلها اخلاء مركزين او ثلاثة من المراكز التي احتفظت بها في الاراضي اللبنانية منذ 18 شباط الماضي الموعد الأخير الذي كان محددا لإنهاء الاحتلال لآخر شبر من الأراضي اللبنانية. ذلك ان مثل هذه الخطوة قد تعطي دفعا للتخفيف من شروط “حزب الله” وربما ادت الى حشره للقبول باستكمال الخطة الحكومية الموضوعة لحصر السلاح.
والى هذه الملاحظات الدقيقة، تضيف المراجع عينها ان الجانب الدولي والأمريكي خصوصا بات على قناعة تامة بعدم قدرة الحزب على المواجهة مع اسرائيل من اي طريق يمكن أن يختارها. فالرد على الاعتداءات الإسرائيلية باتت مهمة صعبة للغاية ولن تستطيع المقاومة استخدام اي من الاسلحة المتبقية لديها في اي رد وهو ما ضمنه المسؤولون اللبنانيون للحصول على مزيد من الثقة الاميركية والدولية بخطة الجيش وقدرته على الإمساك بالأمن في الجنوب ولبنان متى انتهى الاحتلال والافراج عن جميع الاسرى وأنه من الأولى بالجانب الضامن للتفاهمات الاخيرة ان يوقف على الاقل الاعتداءآت التي تقوم بها ولجم الغارات المكثفة التي لن يكون لها اي رد فعل من جانب الحزب سوى التمسك بالسلاح مع علمه المسبق بعدم القدرة على استخدامه في الرد عليها.
وما يزيد من هذه القناعة يجري تفسيره في الكلام الذي تردد مؤخرا بوضع الأراضي اللبنانية بكاملها في دائرة الرصد والمراقبة الجوية ليس من قبل الطيران الاسرائيلي فحسب، وربما هناك اجهزة رصد اخرى باتت في أجواء لبنان بعدما تردد مؤخرا عن تحليق طائرات أميركية للتجسس ومعها من وقت لآخر اخرى بريطانية تابعة لقاعدتها في قبرص تجري مسحا جويا ليس للأجواء اللبنانية فحسب وإنما تشمل الاراضي الفلسطينية والسورية حتى الحدود العراقية، وهي باتت وحدة موحدة بالمنطق العسكرية الذي فرض عمليات الرصد والمراقبة الواسعة لمنطقة شرق المتوسط.