
خاص – ماذا حلّ بحلفاء الحزب؟
موقف الأحزاب السيادية من “حزب الله” وسلاحه واضح ومعروف، ومثله موقف القوى والشخصيات السياسية والدينية والاقتصادية الوطنية. وبعد جلستي الثالث والخامس من آب الماضي انضمت الحكومة الى هذا المسار وبات المطلب واحدًا لا تنازل عنه: حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني.
إلا أن الملفت جدًا والمفاجئ في الأسابيع الأخيرة انقلاب من كانوا يعرفون بحلفاء الحزب منذ عشرات السنين على توجهاتهم السياسية التي طالما احتلوا الشاشات والصفحات وهم يروّجون لها ويدافعون عنها. وفي السياق نذكّر ببعض هذه المواقف لما لها من دلالات وتأثيرات على الحياة السياسية في لبنان:
-النائب جميل السيّد الذي أدخله “حزب الله” الندوة البرلمانية قافزًا فوق معارضة الرئيس نبيه بري للأمر، لبس لبوس الناصح الأمين ليوجه انتقادات لاذعة للحزب في تغريدتين متتاليتين: في التغريدة الأولى اتهم السيد الحزب بالتورّط في دفع رشاوى لضباط وقضاة ومسؤولين، إضافةً إلى إشرافه على السمسارات والتدخلات داخل دوائر السلطة، وطالبه بكشف أسماء هؤلاء المرتشين ليكونوا عبرة لغيرهم. أما التغريدة الثانية فطالت سياسة الحزب الخارجية في أعقاب محاولته الفاشلة للانفتاح على المملكة العربية السعوية، حيث قال “أن يأتي الشيء متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا”.
-النائب أسامة سعد ذهب أبعد في انتقاداته فاتهم “حزب الله”، في ذكرى انطلاقة “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، بإقصاء الجبهة عن دورها في المقاومة والتحرير وتحويلها من مقاومة جامعة الى مقاومة فئوية، ما أدى الى تطييف ومذهبة هذه المقاومة. هذا الموقف المستجدّ استدعى انسحاب ممثل “حزب الله” من المهرجان الذي أقيم في صيدا. ولم يقف سعد عند هذا الحد، فاتهم “حزب الله” في اليوم التالي بأنه يعيش حالة إنكار، ردًا على سؤال مفاده ان الحزب ونوابه “زعلانين منك”.
-النائب عن المقعد العلوي في طرابلس حيدر آصف ناصر، حليف “حزب الله” منذ 30 سنة، هاجم الحزب بشدة ردًا على تصريحات النائب ابراهيم الموسوي الذي قال “نحن مستعدون للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة ومع نظام الرئيس أحمد الشرع (الجولاني) وأن نَمُدَّ يد العون إليه”. وحمّل ناصر الحزب مسؤولية سقوط مئات الآلاف من العلويين في سوريا على مدى 14 عامًا من الحرب بسبب مساندة “حزب الله” لنظام بشار الأسد، معتبرًا ان سقوط نظام البعث عام 2011 أو التوصل في حينه الى تسوية كان ليجنّب سوريا حربًا مدمّرة. واتهم مقاتلي الحزب بإحراق البيوت فوق رؤوس ساكنيها وممارسة شعائر استفزازية بحق السنّة والقيام بعمليات تغيير ديموغرافي وإجراءات لتشييع السنّة في سوريا. كما اتهم ناصر “المحور” بالمتاجرة بدماء العلويين ثم تركهم لمصيرهم.
-الوزير السابق وئام وهاب وحليفه النائب السابق طلال إرسلان خرجا بهدوء من تحت عباءة الحزب واكتفيا بتأييد موقف الحكومة بحصرية السلاح، بعد إقرارهما في أكثر من مناسة بهزيمة “حزب الله” في حرب الإسناد. إلا أن هادي، نجل وهاب، عاد وأجج النيران مع الحزب وبيئته بتوجيهه اتهامات لاذعة لأداء الحزب الحالي.
-كما ان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ونجله النائب طوني فرنجية انسحبا ايضًا بهدوء من التحالف مع الحزب عبر دعم مواقف الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في أعقاب قرار حصرية السلاح.
-نائب طرابلس فيصل كرامي انتقل بدوره الى محور السلطة فطالب “حزب الله” بتسليم سلاحه للجيش. واعتبر ان التهجّم على المملكة العربية السعودية ودول الخليج لم يحمل بعد نظر من قادة الحزب “لأن السنّة هم الأمة والمملكة خيمتنا”.
-أما رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل فوضعه مختلف نسبيًا، وهو بالتالي لا يُحسد عليه، لذلك قرّر وضع “رجل في البور ورجل في الفلاحة”. فهو من جهة لا يستطيع إلا أن يؤيد الجيش والحكومة الشرعية وقراراتها انسجامًا مع الحد الأدنى من طروحات التيار، ومن جهة ثانية ينظر بقلق شديد الى الانتخابات النيابية المرتقبة على بعد أشهر، وهو يدرك بالتأكيد حاجته الى أصوات “الثنائي” للمحافظة على ما يمكنه المحافظة عليه من مقاعد برلمانية في ظل التراجع الواضح في شعبيّته. لذلك حاول باسيل جاهدًا إمساك العصا من النصف وإرضاء الطرفين معًا، عبر المطالبة بحصرية السلاح الذي أقرته الحكومة، ولكن بعد إقرار استراتيجية دفاعية للأمن الوطني، وهو ما يطالب به “حزب الله” كسبًا للوقت وتمسّكًا بما تبقى له من شرعيّة.
إنه غيض من فيض مواقف للحلفاء السابقين لـ”حزب الله” الذين ركبوا قطار الدولة بعدما ضاقوا ذرعًا بحالة الإنكار التي يعيشها الحزب وبعدم قدرته على قراءة ملامح المرحلة المقبلة، فقرروا بالتالي القفز من المركب قبل غرقه، لأنهم باتوا مدركين بما لا يدع مجالًا للشك، بأن مركب الحزب آيل الى الغرق بفعل التشققات الكبرى التي أصابته بعد “حرب الإسناد” وما تلاها من ضربات أدت الى تفكيك محور الممانعة تمهيدًا للإجهاز عليه، إذا لم تتعاون إيران كليًا مع المجتمع الدولي في مجال الحد من تسلحها النووي والصاروخي، بالاضافة الى توسعها الإقليمي على حساب دول المنطقة.