“الحزب” من إحدى أذرع إيران إلى أحد ألسنتها

“الحزب” من إحدى أذرع إيران إلى أحد ألسنتها

الكاتب: جان الفغالي | المصدر: نداء الوطن
22 أيلول 2025

ما من عاقل يمكن أن يصدِّق أن ما قاله الأمين العام لـ “حزب اللّه” الشيخ نعيم قاسم عن المملكة العربية السعودية “نابع من رأسه”، فالأقرب إلى المنطق أنه “كلام” إيراني بـ “لسان” أحد أذرع إيران. لكن هل بهذه التكويعة يمكن لـ “حزب اللّه” أن يمحو تاريخًا من الصراع الدموي والسياسي مع المملكة؟

هذا الصراع عمره من عمر تأسيس “الحزب” في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وإحدى البدايات حين اتهم “الحزب” المملكة، ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية، بأنها وراء محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله في بئر العبد، بواسطة سيارة مفخخة، ووجّهت أصابع الاتهام، بالاسم، إلى الأمير بندر بن سلمان.

لم يحِد “حزب اللّه” عن معاداة المملكة منذ ذلك التاريخ، وفي إحدى المرّات سمَّت إحدى القنوات التلفزيونية التابعة لـ “حزب اللّه” المملكة بـ “العدو السعودي”، صحيح أنها محَت الخبر من مواقعها، لكن الرسالة وصلت بعدما تمّ حفظها بتقنية screenshot.

كما أن الأمين العام السابق لـ “حزب اللّه” السيد حسن نصرالله كان مُكثِرًا في استخدام التوصيفات والنعوت ضد المملكة، فكان يصفها بأنها “مصدر الفكر التكفيري” وبأنها “صدَّرت أيديولوجية داعش” وأنها تسعى إلى “تطبيع بلا مقابل”.

من دون سابق إنذار، بدَّل “حزب اللّه” خطابه السياسي في حق المملكة، ففجَّر قنبلة سياسية بواسطة الشيخ نعيم قاسم، الذي قال :”أدعو المملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة”، وأرفق هذه الدعوة بست نقاط سمّاها أسسًا، وهي التالية: “حوار يعالج الإشكالات، ويُجيب عن المخاوف، ويؤمِّن المصالح، حوار مبني على أن إسرائيل هي العدوّ، وليست المقاومة‎، ويُجمِّد الخلافات التي مرّت في الماضي، على الأقلّ في هذه المرحلة الاستثنائية، وأن سلاح المقاومة وجهته العدو الإسرائيلي، وليس لبنان، ولا السعودية، وأن الضغط على المقاومة هو ربح صافٍ لإسرائيل، وعندما لا تكون المقاومة موجودة، فهذا يعني أن ‏الدور ‏سيأتي على الدول‎.‎ وأخيرًا تصفية العلاقات،‎ ‎ونكون معًا على قاعدة، أن العدو ‏هو إسرائيل، ‏ولسنا أعداء،‎ ‎حتى ولو اختلفنا في مرحلة من المراحل‎”.

بهذا الطرح يكون “حزب اللّه” قد قفز فوق “أطنان” الملفات المتراكمة بينه وبين المملكة العربية السعودية، بدءًا بدعم وتدريب الحوثيين في اليمن، مرورًا بتهريب الكبتاغون إلى المملكة، وصولًا إلى استضافة الإعلام المعادي للمملكة في “مدينته الإعلامية” في الأوزاعي.

المملكة تعاطت بحذرٍ شديد مع “تكويعة الحزب”، التي جاءت بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي استتبع بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني للرياض.

هذا الحذر عكسته طريقة تعاطي وسائل الإعلام السعودية مع كلام قاسم، فإحدى الصحف أدرجته ضمن عنوان: أمين عام “حزب اللّه” يبعث برسائل تهدئة للداخل والخارج، تشدّد في مواجهة “الخطر الإسرائيلي” ودعوات “حوارية” بالجملة. لم يرِد في العنوان أن قاسم خاطب المملكة.

أحد المحللين الخبراء في الشأن الخليجي، المقيم في إحدى الدول الخليجية، اعتبر أن “قاسم لم يكن موفقًا في كلامه، فأولًا السعودية ليست تنظيمًا سياسيًا، بل هي دولة قائمة بذاتها بل تعتبر الدولة الكبرى والأقوى في المنطقة اليوم، كما أن حديثه وُضع وكأنه يأتي في سياق شروط محدّدة، وهذا ما لن نقبل به الرياض”.

كما كان لافتًا أن معظم المحلّلين الخليجيين الذين عادة ما يحللون أي تطوّر له علاقة بإحدى دول الخليج، التزموا الصمت هذه المرّة، وهذا الصمت مردّه احتمال من اثنين: الأول عدم الوثوق بطرح “حزب اللّه”، والثاني استكشاف حقيقة المناورة، وماذا تريد إيران من ورائها، فالجمهورية الإسلامية استخدمت إلى الحدّ الأقصى إحدى أقوى أذرعها، “حزب اللّه”، وها هي اليوم تستخدم أحد “ألسنتها”، وهو “حزب اللّه” أيضًا.