
“نعم، حيطنا واطي… لأنّ سياسيّينا حُفاةٌ على بلاطِ السّفارات”
في زمنٍ تعرّت فيه الأوطانُ وارتدت فيه الكرامةُ ثيابَ الذلّ، لا بدّ أن نقف ونسأل، من الّذي أوصلنا إلى هذا القاع؟ من الّذي جعل من دولِنا مائدةً مفتوحةً لكلّ طامعٍ، ومن شعوبِنا جمهورًا يتفرّج على سقوطِه دون أن يصرخ؟
هل هي المؤامراتُ الخارجيّة؟ نعم، لا أحد يُنكرُها.
لكنّ الجريمةَ الكبرى كانت دومًا من الداخل.
منكم أنتم، يا ساسةَ الانهزامِ والصفقاتِ، يا سماسرةَ السيادةِ وتُجّارَ المبادئِ.
لقد جعلتم من الوطنِ حقلَ تجاربَ، ومن الكرسيّ هدفًا، ومن السفاراتِ مِحرابًا، ومن رِضى الخارجِ سقفًا لأحلامِكم الضيّقة.
تتحدّثون عن السيادةِ في الخُطبِ، لكنّكم تبيعون خرائطَنا مقابلَ حُفنةٍ مساعداتٍ أو صورةٍ بجانبِ وزيرٍ غربيّ.
لماذا كلّما دخل علينا دبلوماسيٌّ أجنبيٌّ وقفتم له كأنّ الله حلّ في ديارِكم؟
لماذا نُفرش السجّادَ الأحمرَ لأصحابِ النفوذِ، ونرفع العصا في وجهِ الفقراءِ والمقهورين؟
لماذا يُستقبَل المسؤولُ الغربيُّ أو الخليجيُّ وكأنّه فاتحٌ، بينما لا يُستقبَل المثقّفُ الوطنيُّ إلّا بصمتِ الأمنِ وكاميراتِ المراقبةِ؟
لماذا يُفتَح القصرُ أمامَ السفراءِ، ويُغلَق بابُ الوزيرِ أمامَ أبناءِ بلدِه؟
لأنّكم لا ترون في هذا الشعبِ سوى جمهورٍ انتخابيٍّ، ولا ترون في الوطنِ سوى رصيدٍ بنكيٍّ خارجيٍّ.
نحن لسنا من العالمِ الثالثِ… أنتم من الدّرجةِ الثالثةِ في السياسةِ والتاريخِ!
العالمُ الثالثُ ليس قَدَرًا، بل نتيجةً لخياراتِكم.
من رضي أن يكون تابعًا، سيبقى في المؤخّرةِ.
من ارتضى الذلّ، لن يعرف المجدَ.
أنتم الّذين صنعتم واقعَ الهزيمةِ، ثمّ طلبتم منّا الصمتَ.
أنتم الّذين فرّطتم بكرامتِنا، ثمّ تحدّثتم عن “الواقعيّةِ السياسيّةِ”.
أنتم الّذين قدّمتم بلادَكم على موائدِ المانحين، ثمّ لبستم عباءةَ “الحكماءِ”.
أنا وغيري من أبناءِ وطني نرفض أن نُقاد كقطيعٍ.
نرفض أن نُعامَل كمجرّدِ متلقّين للأوامرِ.
نرفض أن يكون الوطنُ ورقةً في لعبةٍ دوليّةٍ أنتم فيها مجرّدُ وكلاءَ.
إن كنتم لا تملكون الشجاعةَ لقولِ “لا”، فتَنحّوا.
إن كنتم لا تجرؤون على رفعِ الرأسِ، فارحلوا.
فالكرامةُ لا تُستورد، والسيادةُ لا تُستعار.
لن ننهض ما دامت أوطانُنا تُدار من العواصمِ الأخرى.
ولن نُحترَم ما دمنا نستقبل المحتلَّ الاقتصاديَّ والمبعوثَ السياسيَّ والوسيطَ الأمنيَّ كأنّهم رُسُلُ السماءِ.
ولن تقوم لنا قائمةٌ ما دام السياسيُّ في بلادِنا لا يعرف سوى لغتين، لغةِ الخضوعِ، ولغةِ التبريرِ.
الحرّيّةُ لا تُهدى، الكرامةُ لا تُقايَض، والسيادةُ لا تُستجدى.
فإمّا أن ننهض بقرارِنا، أو ندفن رؤوسَنا في ترابِ العبوديّةِ إلى الأبدِ.