“المقامات” في خدمة “الحزب”

“المقامات” في خدمة “الحزب”

الكاتب: عباس هدلا | المصدر: نداء الوطن
24 أيلول 2025

حفل التراث الشيعي بالكثير من الروايات التي تدعو إلى زيارةِ المراقد المقدَّسة للأئمة الشيعة وتتحدَّثُ عن الثوابِ العظيم للزوَّار، إلى درجةِ ما رُويَ عن الإمام جعفر الصادق أنَّه قال “مَن زارَ الحُسَين كان كمَنْ زار الله في عَرشِه وكُتِبَ في أعلى عَلِيِّين”.

وبحسب كتاب “الشِّيعةُ في لبنان، طقوسًا ومُجتمَعًا وثَقافَة: من الحيوية إلى النمط الموجه” الصادر عن “أمم للتوثيق والأبحاث” عام 2023، كان اللبنانيون الشيعة ولا سيما العامِليين يرتادون الأضْرِحةَ أو المقامات التي تعودُ إلى أولِياء ذوي مكانةٍ خاصَّة عندهم، ويُقدِّمون النُّذورَ لشِفاء مرضاهم، شأنهم شأن مختلف المجموعات الطائفية اللبنانية.

المقامات في رعاية نهج الولاية

ومع بداية تمدد مشروع تصدير الثورة الإسلامية إلى لبنان مطلع الثمانينات المتمثل بجماعة “حزب الله” وسيطرته على العديد من المناطق في البقاع والضاحية الجنوبية والجنوب، أضحت المقامات والمزارات الشيعية في تلك المناطق تحت سيطرته، وتفعّلت هذه السيطرة مع انتهاء الحرب من خلال عملية اهتمام ورعاية تلك المقامات والمزارات عبر مؤسساته وجمعياته فكانت بابًا أساسيًا للـتبشير بأفكار ونهج وتوجهات “حزب الله” ضمن “الهالة التراثية الدينية” لهذه المقامات ورفد “الحزب” بالطاقات الشبابية المتأثرة بمفاهيم التراث الديني، فتكون العناصر والكوادر الصافية لنهج الولاية والمحرك الأساسي لتوجهات مشروع تصدير الثورة الإيرانية في لبنان.

بعد تحرير الجنوب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كانت محتلة في العام 2000، عمد “حزب الله” إلى السيطرة على مقامات ومزارات المنطقة المحتلة وإدارتها، وذلك بعد أن كان سيطر على إدارة المقامات والمزارات في المناطق اللبنانية الأخرى حيث نفوذه القوي، مثل منطقة بعلبك – الهرمل والبقاع الغربي.

ولادة “قبس” وتمددها

مطلع عام 2001، بدأت جماعة “حزب الله” عملية تحويل بعض المزارات إلى مقامات موازية للمقامات في العراق وسوريا، فقامت بحملة توسيع وتشييد كامل في بعلبك لمرقد يقال إنه لإحدى بنات الإمام الحسين وتدعى خولة، ليصبح المكان مزارًا دينيًا ومكانًا لإقامة الاحتفالات الكبيرة والحاشدة لـ “الحزب”. وسيرًا على استراتيجية “حزب الله” في التخصيص، وبعد الوهج والهالة الدينية التي حظي بها مرقد “السيدة خولة” بعد تشييده وتوسيعه، أنشأ “الحزب” في العام 2011، بتوجيه من أمين عامه السابق السيد حسن نصر الله جمعية “قبس” التي عنيت باكتشاف وتجهيز ورعاية المراقد والمقامات والمزارات الشيعية في مختلف المناطق اللبنانية، وحصلت على الترخيص القانونيّ في العام 2013 بموجب علم وخبر 698 اد سنة 2013 من وزير الداخلية مروان شربل، وسُجّل شعار الجمعيّة في وزارة الاقتصاد اللبنانيّة.

تقدّم الجمعية نفسها على أنها حافظة للتراث الشيعي، وتتعاون مع وزارتي السياحة والثقافة وسائر تشكيلات المجتمع الأهلي والرسمي ذات الاهتمام المشترك، من أجل تعزيز السياحة الدينية في لبنان والتعريف بالأماكن والمقامات الدينية والأنبياء والأوصياء وأعلام الشيعة الإمامية. وفي رصيد الجمعية، الكثير من المنشورات المطبوعة والرقمية حول المقامات الدينية في لبنان، غايتها بحسب العلم والخبر: المحافظة على الآثار العمرانية والتراث التاريخي للأنبياء والأوصياء، وأعلام الشيعة الإثني عشرية في لبنان، وذلك في مختلف الميادين المادية والمعنوية والمعرفية من خلال القيام بالأبحاث والتحقيقات التاريخية المتخصصة والفنية، تشجيع السياحة الدينية والثقافية والترويج لها والتعاون مع وزارتي السياحة والثقافة وسائر تشكيلات المجتمع الأهلي والرسمي ذات الاهتمام المشترك، إصدار المنشورات المكتوبة والرقمية للتعريف بالأماكن والمقامات الدينية والأنبياء والأوصياء وأعلام الشيعة الاثني عشرية في لبنان، التعاون مع الجمعيات والمؤسسات المتشابهة محليًا ودوليًّا، تنظيم المؤتمرات والمعارض والأنشطة، المساهمة في تأهيل وترميم الآثار والمشاهد الدينية.

وفي العام 2018، جرى تعديل بعض بنود الغاية، إذ أضيف على المادة الأولى حول القيام بالأبحاث والتحقيقات “تقديم المساعدات المادية للطلاب الجامعيين المتخصصين في هذه المجالات، ودعم الدراسات والأبحاث الجامعية ذات الصلة والمساهمة في إنشاء المكتبات العامة”، وعلى المادة السادسة، المساهمة في تأهيل وترميم الآثار والمشاهد الدينية تمت إضافة “وتطوير بيئتها الاجتماعية من خلال التعاون مع الوزارات المعنية والإدارات العامة والمؤسسات الرسمية”. كذلك أضيفت مادة سابعة نصّت على “إقامة دورات للتدريب المهني المعجّل على مهن يحتاج لها سوق العمل”.

وعملت الجمعية مع وزارة السياحة على طباعة خارطة سياحيّة دينيّة تحتوي على عدد من المقامات على الأراضي اللبنانيّة، بثلاث لغات: العربيّة، والإنكليزيّة، والفارسيّة، متوفرة في كلّ السفارات اللبنانيّة حول العالم. وتشارك الجمعيّة في دورات الدليل السياحي التي تقيمها الوزارة، وأُدرج اسم الجمعيّة على لائحة المؤسّسات المتعاونة مع وزارة الثقافة والمستفيدة منها، خاصّة المديريّة العامّة للآثار، وتتعاون الجمعيّة مع وزارة الزراعة من خلال أعمال مشتركة بهدف تشجير الحدائق المحيطة بالمقامات والآثار الدينيّة، كما تعمل مع وزارة الأشغال من أجل تحسين الطرق المؤدّية إلى المقامات وتعبيدها، وانشأت بالتعاون مع وزارة العمل، نقابة مرشدي الأماكن السياحيّة والدينيّة، وتعمل بالتنسيق مع الوزارة على دورات مشتركة لمرشدي الأماكن السياحيّة في لبنان.

ويشير مدير الجمعية علي زريق في حديث صحافي إلى أنّ الجمعيّة تعمل على ربط المعالم الدينيّة بالمعالم الجهادية التابعة لـ “حزب الله”، كمعتقل الخيام ومعلَم مليتا الجهاديّ، وذلك بهدف ربط الجهاد بالدين.

المقامات بين “قبس” والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى

تعتبر إدارة ومتابعة الأوقاف بما فيها المقامات والمزارات والمراقد في المناطق اللبنانية كافة من مهام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولجان الوقف لديه، وبحسب دورية “الفان رقم 4” المتخصصة بالشأن اللبناني الشيعي، انتزعت الجمعية من “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” جزءًا بالغ الأهمية من الوقف خصوصًا أن لهذا الوقف مردودًا ماليًا كبيرًا، فبخلاف الأراضي التابعة للمقامات والتي يجري استثمارها من قِبل جمعية واحدة، هناك الأموال التي يتبرّع بها أثرياء الشيعة لتلك المقامات والمزارات، وكذلك أموال النذورات والصدَقات اليومية التي يتمّ بذلها في الصناديق المتواجدة في تلك المعالم الدينية وغيرها، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لم يحرّك ساكنًا من أجل استرجاع إشرافه على تلك المعالم. وللعلم فإن التبرير الوحيد الذي تسوّق له الجمعية خلال ممارستها لنشاطها هو أن المجلس الشيعي أهمل تلك المقامات، وبالتالي كان طبيعيًا أن “ننبري للمحافظة على هذا التراث”. ونقلًا عن الدورية، تمكّنت الجمعية من إحصاء حوالى أربعمئة مقام ومسجد وحوزة أثريّة منتشرة في كافة المناطق اللبنانية وإدارة مجموعة كبيرة منها يقدّر عددها بنحو 150مقامًا ومزارًا.

لا شك أن العمل الذي قامت به جماعة “حزب الله” وجمعية “قبس” على صعيد المزارات والمقامات والمراقد الشيعية في لبنان من الجنوب إلى البقاع وصولًا الى سيطرتها على بعض أوقاف الطوائف الأخرى، عمل ممنهج ومنظم ومتسلسل، وبغض النظر عن الغايات والأهداف، يبقى السؤال الأبرز، ما هو دور المؤسسات الرسمية اللبنانية في الحفاظ على الآثار الدينية؟ ولمَ يسمح للجمعيات الخاصة ولا سيما تلك المعلومة التوجه والنهج برعاية وإدارة تلك الأماكن في ظل وجود مؤسسة دينية رسمية معنية بهذا الأمر؟ ولمتى ستبقى الدولة اللبنانية مستقيلة من واجباتها تجاه مجموعة لبنانية مؤسسة للدولة والكيان، وتستمر في تلزيم المناطق اللبنانية الشيعية لجماعة “الولاية”.