حوار “الحزب” للذهاب إليه وليس العكس

حوار “الحزب” للذهاب إليه وليس العكس

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار
24 أيلول 2025

بغض النظر عما إذا كان التفاهم السعودي – الإيراني الذي حصل برعاية الصين في آذار 2023 هو الذي وصل إلى “حزب الله” في أيلول 2025، فوجّه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم دعوة إلى المملكة السعودية للحوار، فإن أمرا غير جوهري على غرار إصرار الحزب على إضاءة صخرة الروشة بصورتي السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين في تحد واضح لموقف الحكومة اللبنانية ورئيسها تحديدا، يفرغ بعض التفسيرات والتوقعات من مضمونها.

هذه التفسيرات التي بنيت على احتمال بدء الحزب إعادة نظر في أدبياته ومقارباته، وإن مغلفة بأسلوب استعلائي واشتراطي، لا يجوز إهمالها بالمطلق، من أجل فك ارتباط الحلقات بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية إزاء الموقف منه واستنادا إلى تنديد السعودية بالتصرفات الإسرائيلية. لكن الأفعال الصغيرة هي التي تشي بالمضمون الفعلي، على رغم أن الدعوة إلى الحوار مع السعودية قرأها البعض قفزا فوق كل حلفاء المملكة، بمن فيهم رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وحتى رئاسة مجلس النواب التي تحتكر من الجانب الشيعي التواصل الديبلوماسي مع الدول. المغزى من ذلك أنه يثير حساسيات طائفية غير ضرورية لم تكن لتثار أصلا لو اعتمد الحزب أسلوب استئذان الدولة أو مؤسساتها أو مراعاة نواب العاصمة، فيما يمكن أن يؤدي طابع التحدي إلى تصادم أو إلى إهمال المواقف التي يخرج بها الحزب على قاعدة عدم جديتها أو المناورة لكسب الوقت. وهو يريد أن يلاقيه الجميع في الداخل والخارج كما في الدعوة الموجهة إلى السعودية على ثوابته أو خياراته، بدلا من أن يأتي هو إلى خيار الدولة أو يلاقي الآخرين في منتصف الطريق على الأقل. وهذه تبقى مشكلة لبنان واللبنانيين والتي سلط الموفد الأميركي توم براك الضوء عليها مجددا في حديثه التلفزيوني الأخير، فيما غالبية النقاط التي أثارها كانت مستفزة إلى حد بعيد، ويمكن النقاش فيها، ولا سيما في ظل ما صرح به براك نفسه من قصر بعبدا من تقدير لقرار الحكومة اللبنانية في 5 آب وإعلانه انتقال الكرة تبعا لذلك إلى مرمى إسرائيل، وهو الأمر الذي لا يصح في ضوئه أن يلام لبنان كليا على مرحلة أو تأخير تنفيذ الخطوات التي أعلن عنها أو ربما عجزه عن ذلك، ولا سيما إذا عجزت الولايات المتحدة الأميركية عن الضغط على إسرائيل لتنفيذ مبدأ الخطوة مقابل الخطوة التي حملها براك في أولى زياراته للبنان، وتاليا إعطاء الدولة اللبنانية نقطة إضافية لمصلحتها للضغط في الاتجاه المناسب.

كل هذا لا ينفي تجاهل خلاصة موقف براك الموجود أصلا على الطاولة إزاء إمكان توسيع إسرائيل استهدافاتها للحزب، للقضاء على ما تبقى من أسلحته. فالحزب لا يساعد الدولة اللبنانية بأي طريقة، وإلقاء اللوم عليها من أجل الرد على إسرائيل هو للاستهلاك داخل بيئته والحفاظ على شعبيته. فالاستهداف الكارثي من إسرائيل لعائلة وأطفال أبرياء إنما يوجه رسالة بأن الحزب يستدرج مآسي على بيئته بدلا من الدفاع عنها، فيما لم يصدر أي موقف من أي دولة يستنكر ما حصل، باستثناء فرنسا المعنية بلجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية في الجنوب. ولم يشهد مجلس الأمن الدولي مشروع قرار حالي أو سابق من جانب روسيا أو الصين يصب في إطار ردع إسرائيل أو إدانتها لاحتلال نقاط في جنوب لبنان، وهذا لم يحصل في ذروة الحرب الإسرائيلية على الحزب العام الماضي. وهو مؤشر متجدد إلى أن إنهاء أذرع إيران في المنطقة لا يجد أي اعتراض عملاني أو فعلي، بل إن روسيا التي اعترضت بداية على استهداف الحوثيين في اليمن، سرعان ما غابت مواقفها في هذا الإطار. وهذا كله نموذج يختصر رفض التعاون في موضوع حصرية السلاح.

المغزى مما تقدم أن الحوار المطلوب هو بين الحزب وأركان الدولة اللبنانية أو العكس، لكي يوضح الحزب خياراته في ضوء خلاصة الموقف الأميركي الذي يبقى مهما ومؤثرا، ولا سيما إذا كانت واشنطن ستترك لبنان فعلا  يتدبر أموره بنفسه، علما أن الولايات المتحدة تظهر أنها حتى بالغطاء الذي تقدمه لإسرائيل، تبقى جزءا مهما ووحيدا من الحل، سواء أحببنا ذلك أو لا. والحال أن إسرائيل مكتفية بما تقوم به حاليا من دون عناء ولا كلفة كبيرة عليها، وهو ما يجعلها لا تصعد إلى حرب أكبر. فهل يمكن أن يترك لبنان يتعايش مع الستاتيكو الحالي في وقت يتهم الحزب الأميركيين بمنع إعادة الاعمار وحجب الأموال؟ فما يطرحه هو لن يكون مقبولا وربما يرتب على لبنان واللبنانيين استمرار التكاليف المرتفعة لسياسته ومقارباته.