لبنان وعاصفة باراك: إسرائيل تخطط لترتيبات وفق النموذج السوري

لبنان وعاصفة باراك: إسرائيل تخطط لترتيبات وفق النموذج السوري

المصدر: المدن
24 أيلول 2025

لم يتجاوز لبنان عاصفة كلام الموفد الأميركي توم باراك. وفيما يغرق اللبنانيون في قراءة خلفيات الكلام وتداعياته، وإذا ما كان يعبّر فعلاً عن السياسة الأميركية تجاه المنطقة ومن ضمنها لبنان، تتكون خلاصة واضحة بأن إسرائيل قد تجاوزت كل الاتفاقات السابقة، وهي تسعى إلى فرض وقائع جديدة. وقائع تريد تثبيتها في لبنان على غرار ما تسعى إلى تثبيته في سوريا من خلال الحديث عن اتفاق ترتيبات أمنية مع دمشق، يضغط الأميريكون لإعلانه خلال وجود الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك. كلام باراك يشير إلى تراجعه عن مضمون ورقته التي لم تعط إسرائيل موافقتها عليها أساساً، كما أنها أطاحت بكل بنود اتفاق 26 تشرين الثاني الماضي. 

ما بين كلام باراك، وقبله ليندسي غراهام، أو مورغان أورتاغوس، والممارسات الإسرائيلية المتواصلة حروباً واعتداءات على دول المنطقة، ثمة ثابتة واحدة تتأكد وهي أن المشروع الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو هو مسار مستمر لا يريد له أن يتوقف، ولا وجود لإرادة أميركية لإيقافه. كلام الأميركيين الأخير، وممارسات نتنياهو تشير بوضوح إلى وجوب الخروج من حالة الوهم التي يحاول اللبنانيون أو السوريون أو الفلسطينيون اصطناعها، استناداً إلى أدوار “الوسطاء” والتي سرعان ما تظهر مواقفهم المنحازة إلى طرف في مواجهة الطرف الآخر. فخلال زيارات باراك للبنان، وما بعدها، وصولاً إلى قرار الحكومة في 5 أيلول، بنى اللبنانيون أوهاماً جديدة تتّصل بسياسة كسب الوقت، واعتبار أنّ واشنطن توافق على الصيغ اللبنانية. وقبلها اعتبر اللبنانيون أنهم نجحوا في إبرام اتفاق مع باراك، وحينها وجّه الثنائي الشيعي غمزاته، متهماً السعودية بأنها هي التي عرقلت هذا الاتفاق مع باراك، ليأتي الموفد الأميركي بموقفه الأخير ويطيح بكل السردية، وبكل ما حاول اللبنانيون بناءه. 

ذهب باراك أبعد من ذلك، عندما أشار بوضوح إلى أن واشنطن لن تسلّح الجيش اللبناني ليقف في وجه إسرائيل، وأن القوات الأميركية لن تعود إلى الشواطئ اللبنانية، ولن تطرق أبواب المواطنين الشيعة لتعمل على سحب السلاح، وأن هذه مهمّة لبنانية على الجيش اللبناني أن يقوم بها. وقد أضاف باراك أن اللبنانيين الذين لا يجتهدون إلا بالكلام هم المعنيون بالتصرّف لسحب السلاح، مع إشارته إلى أنهم يخافون من حصول حرب أهلية. أحرج باراك بكلامه الجميع، وشكل موقفه عنصر ضغط أكبر على الدولة اللبنانية. 

والأهم هو اعتبار باراك أن السلام هو وهم في هذه المنطقة، وأن هناك صراعاً دائماً وقائماً مع الطرف الذي يريد أن يكون هو الأقوى. ومن الواضح أنّه ينظر إلى إسرائيل كطرف منتصر وصاحب القوة، وذلك يشير بوضوح إلى الممارسات الإسرائيلية التي ترفض تل أبيب من خلالها أي اتفاق سلام، حتى أنها ترفض الاتفاقات السابقة وتطيحها، من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن، وحتى تجاوز تفاهم 1974 مع سوريا سعياً وراء اتفاق ترتيبات أمنية جديدة، وهو ما تسعى إلى تكريسه في لبنان أيضاً من خلال ضرب كل الاتفاقات السابقة ورفض العودة إلى اتفاق هدنة الـ1949.

وبدا كلام باراك كأنه يمنح غطاء لإسرائيل في حال قررت توسيع عملياتها العسكرية في لبنان، وهي التي ارتكزت على توغّلات برية في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، لتفرض الوقائع العسكرية والأمنية التي تريدها، وهو ربما ما تفكر في استنساخه على الساحة اللبنانية، وسط تصاعد الحديث الإسرائيلي عن احتمالات شن عملية عسكرية ضد حزب الله لتفكيك بنيته، وسط خشية من تفكير إسرائيلي في العودة إلى عمليات التوغل البري لفرض وقائع، وبعدها استدراج الآخرين إلى المفاوضات كما تريدها. 

في السياق، يواصل باراك وكل الإدارة الأميركية الضغوط على سوريا وإسرائيل لأجل الوصول إلى اتفاق ترتيبات أمنية. وبحسب المعلومات، فإن بعض نقاط التفاوض العالقة هي: تشديد إسرائيل على جعل الجنوب السوري منطقة خالية من السلاح، وضبط التحرك العسكري للجيش السوري، والسعي لإحلال قوى الأمن الداخلي فقط، وسحب السلاح الثقيل. كما أن هناك نقطة لا تزال غير واضحة، وهي الأمر المتعلق بالسويداء، وإدخال فرقة جديدة من الأمن الداخلي إلى المحافظة، مقابل أن يتم الضغط الدولي على الشيخ حكمت الهجري، للموافقة على إدخال قوة الأمن الداخلي التي تشكلت أخيراً بقيادة سليمان عبد الباقي. والنقطة الثالثة هي إصرار إسرائيل على حرية الحركة في الأجواء السورية وتركها مفتوحة أمامها، كي تتمتع بحرية حركة تجاه إيران. ويبقى الأخطر أن إسرائيل تعمل على تجنيد سوريين في المناطق التي تحتلها مثل القنيطرة وغيرها، تمهيداً منها لمواصلة بناء أرضية اختراقها لسوريا، إذا انسحبت لاحقاً من هذه المناطق بموجب الاتفاق الأمني. إلا أن هذا الملف سيكون متفجراً في المستقبل.