
خاص – ستّة دروس مستقاة من موقعة الروشة: “الحزب” لم يتغيّر
قد يكون موقف رئيس الحكومة تمّام سلام بإلغاء كلّ مواعيده الجمعة لمتابعة ما حصل عند صخرة الروشة من مخالفة لقرار الدولة، موجَّهاً إلى المؤسّسات والأجهزة اللبنانية المسؤولة أكثر ممّا هو موجّه إلى”حزب الله”. فما اتّفق عليه قبل ساعات من التحرّك كان أن يُنظّم احتفال من دون قطع الطرق أو إضاءة الصخرة بأيّ صور أو شعارات. وقد شملت الاتّصالات الوزراء المختصّين، وكان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في الأجواء. ولكن، ما حصل شكّل نوعاً من “الخديعة”. وقد أكّد سلام الإصرار على “محاسبة من تجاوز الترخيص الممنوح و محاسبة المقصّرين في أداء واجباتهم”. وكلامه هنا واضح حول دور الوزارات والأجهزة التي كان يجب أن تحرص على تنفيذ قرار الحكومة.
ولكن، في معزل عن المخرج الذي يمكن أن يتمّ التوصّل إليه، وعمّا يمكن أن يحصل في حال عدم معالجة التجاوز، فإنّ دروساً عدّة يمكن استخلاصها من هذه الحادثة، في ما يتعلّق بأداء “الحزب” الذي يبدو أنّه لم يتغيّر قيد أنملة:
1- ما زال “الحزب” يتصرّف بمنطق القوّة والاستعلاء وتجاوز الدولة. وأثبت أنّه لا يفي بما اتُّفق عليه، وأنّه عمد إلى ما يشبه الخديعة، حيث كانت الأجواء تشي بالاتّفاق على عدم إضاءة الصخرة، لكنّ المنظمين انتظروا حتّى امتلاء المكان بالناس، وتحدّوا القرار الرسمي وهيبة الدولة. كما لم يتورّعوا عن تحدّي الشارع المقابل، حتّى لو أدّى الأمر إلى تسعير التوتّر الطائفي والمذهبي.
2- لم يغيّر “الحزب” استراتيجيته التي تعتمد على “المدنيين” ككتائب تابعة له، يحرّكها في الاتّجاه الذي يريد. وهو يراهن على أنّ هذا الدمج بين ما هو مدني وما هو عسكري يحمي “الحزب” ويحفظ قوّته. ولكنّه السبب ذاته الذي عرّض المدنيين للقصف الإسرائيلي وللتهجير من قراهم وبلداتهم.
3- تبيّن بالبراهين مرّة جديدة أن برّي ليس وسيطاً، بل هو طرف من طرفي الثنائي، وما يفعله يصبّ في النهاية في مصلحة “الحزب”، بينما الليونة الظاهرة أحياناً هي من باب امتصاص المشاكل والإيحاء بالانفتاح على الأفكار الجديدة.
4- لم يقم الشارع السنّي بأي ردّة فعل ظاهرة على “واقعة الروشة”، مع أنّ ما حصل شحنَ الاحتقان الداخلي إلى أقصى الحدود. وتبيّن أن السنّة ليسوا في وارد إثارة المشاكل والتوتّرات. ويمكن من هذه الزاوية وصف ما حدث بأنّه 7 أيّار جديد، حيث لم يواجه الشارع السنّي عناصر “الحزب” عندما اجتاحوا العاصمة في العام 2008.
5- ظهر أنّ إجراءات الجيش قد لا تكون دائماً ممثِّلة لقرار السلطة السياسية، بسبب ما تفرضه الظروف على الأرض. وعليه، لا يمكن المراهنة على الحزم في موضوع سحب السلاح. وهو واضح في أيّ حال في مضمون خطّة الجيش التي تربط تقدّم العمليّة بالقدرات العملانية وتحاشي المواجهة.
6- الانتصار الذي يريده “الحزب” فعليّاً هو انتصار على الأفرقاء الآخرين في الداخل، وليس على إسرائيل. فالاحتفال بالذكرى الأولى لاغتيال حسن نصر الله، كان يجب أن يشكّل تحدّياً لإسرائيل التي نفذّت عملية الاغتيال، وليس تحدّياً للطوائف اللبنانية الأخرى وللدولة في آنٍ واحد. وكان يمكن لإحياء الذكرى أن تختار ما يشير بالإصبع إلى العدوّ الحقيقي. ولكن اختار المعنيّون استفزاز الداخل اللبناني، وكأنّه هو العدوّ الأوّل.
وأمام هذه الوقائع التي ثبّتها ما حصل من على صخرة الروشة، يُطرح السؤال الكبير: هل يمكن فعلاً لـ”الحزب” أن يتلبنن، كما كان وما زال البعض يراهن عليه منذ العام 2005؟ وكيف سيُسحب السلاح، وبأيّ توافق أو تراضٍ؟ وهل سياسة التفاهم حول هذا الموضوع واردة في يوم من الأيّام؟
ليست واقعة الروشة بالحدث الهامشي، خصوصاً بالنسبة إلى رئيس الحكومة، الذي أصدر قراراً بمنع استعمال الأملاك العامة والمعالم الأثرية في أيّ نشاط سياسي. واعتبر ما حصل “سقطة جديدة” لـ”الحزب”. ولكن هذه “السقطة” تعني أيضاً جهات أخرى “قصّرت في أداء واجباتها” وتنفيذ القانون. وستكون لهذا انعكاسات عميقة على أداء رئيس الحكومة ونظرته إلى شركائه، إذا لم يتمّ حلّ المسألة من الجذور.