
تلك الدولة العميقة…”تنبض”!
أما وقد أسفرت أيام ما بعد واقعة الروشة عن وقائع وانكشافات توازي الوقع الصادم (لمن صُدم) لتظاهرة الصخرة وما حولها، فلم يعد ممكنا التستر عن حقائق ستمضي قدما في ترك تداعيات إثر التداعيات ما دامت “الدولة الجديدة” لم تكتمل بعد بقوتها الكافية المرجوة. لم تكن الخشية على “وحدة الحكم”، وهي في أولى معمودياتها، إلا الانعكاس الطبيعي لرؤية خطر مبكر للغاية دهم هذه الوحدة التي بالكاد تقاس بزمن ولادة القرارات السيادية “التاريخية” وإقلاعها، وتحديدا في قرارات حصرية السلاح في الخامس والسابع من آب الماضي.
لا مغالاة الآن، وعلى سبيل “التحريض” إلى أقصى حدود التحريض، والتخويف إلى ذروة التخويف، في أن اهتزاز (أو تداعي أو تراجع) وحدة الحال والموقف بين رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين صارا شريكي قرار سيادي تاريخي، سيعني ضرب العهد قبل اكتمال سنته الأولى وضرب الحكومة قبل إنجاز الانتخابات المقبلة كدرّة تاج إنجازاتها.
ما حصل في أسبوع ذكرى الحرب الإسرائيلية على “الحزب”، تحول إلى لعنة سيئة غير محسوبة انكشفت معها ثغَرٌ كبيرة خطيرة في عدم الاحتياط وعدم التنسيق وغياب وحدة الرؤية. ولكن الأخطر والأشد مدعاة للتوقف والمصارحة والمكاشفة، هو أن تنكشف في عمق زوايا هذا التطور بقايا نابضة جدا لدولة عميقة متوارثة منذ أيام سطوة المحور الممانع إياه. بدا “الحزب” كأنه ربح رهانه النائم على تلك الدولة العميقة التي حالت دون أيّ رفة جفن حياله في ليلة تظاهرة الروشة، ولم يقف الأمر عند الصدمة الأمنية التي جعلت الحزب يتجاوز ويقفز ويتجاهل ويستخف بقرار ترخيص مشروط من هيئة مدنية، بحيث استقوى بعوامل عدة أبرزها نومه على حرير العرى الأمنية والعسكرية التي كانت ولا تزال تحول دون خشيته الصدام مع الجيش أو مع القوى والأجهزة الأمنية، بل إن منظومة المفردات التبريرية التي انهمرت علينا بعد الواقعة بدت بمثابة تذكية لرهانات الحزب. هذه التبريرات راحت تعلي شأن وظيفة الجيش والقوى الأمنية في حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية، متجاهلة أن اختراق النظام وتحدي القانون وتحدي المرجع الثالث الدستوري رئيس الحكومة وتحدي فئات أهلية، هي بذاتها الاختراق الأخطر للسلم الأهلي والوحدة الوطنية. بل إن تقديم الأمر في غلاف الخشية على السلم الأهلي بدا مريبا للغاية، إذ، وإن لم يكن مطلوبا الصدام الأمني مع المتظاهرين خصوصا بعدما اعتصموا وانتشروا بالآلاف، فإن ذلك لا “يبرر التبرير” الواهي لانتهاك القوانين والأنظمة والانتظام العام وتعميم رئيس الحكومة بغسل قصور الجيش والقوى الأمنية وتصوير دورهم فقط من زواية ليّ ذراع رئيس الحكومة. هذا الاندفاع شكل عامل استرابة إضافيا في أن الدولة العميقة العتيقة، أيام الثلاثية البالية المتهالكة “جيش شعب مقاومة” جرى استيحاء شيء من بقاياها، أقله لخدمة تقاطع بين جهات توسلت هذا التبرير و”الحزب”. ولعله ليس من باب التوجس والريبة الاستباقية أن تكون الخلاصة البديهية لهذا الذي جرى قبل تظاهرة الروشة وخلالها وبعدها، هي تثبيت التخوف من تراجع الدولة الموعودة بسرعة مقلقة للغاية، فيما تعود أضغاث الهواجس والمخاوف من إحياء دولة عميقة بالغة السمعة السلبية، لتقض مضاجع كثيرين.
شاء من شاء أو أبى من أبى، أسبوع واحد بدا كافيا لإحداث صدمة يتعين على من ينكرها أن يتحلى بالجرأة العاجلة لتداركها قبل فوات الفرصة!