
هل سلَّم الحزب أسلحةً إلى الجيش في البقاع؟
بين بيروت والرياض والبقاع، بدا المشهد اللبنانيّ اليوم كأنّه اختبارٌ مزدوجٌ للجيش، دبلوماسيٌّ في عاصمةٍ عربيّةٍ نافذةٍ، وميدانيٌّ على خطوطٍ شرقيّةٍ وعرةٍ أمنيًّا وسياسيًّا. على الخطّ الأوّل، تتقاطع معطياتٌ عن زيارةٍ يقوم بها وزير الدفاع ميشال منسى، يرافقه مدير المخابرات العميد طوني قهوجي، إلى المملكة العربيّة السعوديّة للقاء مسؤولين والبحث في ملفّين، تحضير مؤتمر دعمٍ للجيش، ودفع مسار التعاون الحدوديّ مع سوريا. لكنّ هذا الاحتمال يصطدم بمؤشّراتٍ متناقضةٍ مفادها أنّ لا مؤتمرات دعمٍ مرتقبةً قبل شرطين صريحين يكرّرهما المانحون، حصر السلاح بيد الدولة، والشروع في إصلاحاتٍ جدّيّةٍ. بذلك، تصبح الزيارة، إن تمّت اليوم، جزءًا من إدارة أزمةٍ أكثر منها مناسبةً لإعلان “هدايا” ماليّةٍ فوريّة.
المنحى السعوديّ ليس معزولًا عن المسار الذي رعته الرياض منذ آذار الماضي، حين استضافت اجتماعًا لبنانيًّا سوريًّا على مستوى وزيري الدفاع أفضى إلى تشكيل لجانٍ فنّيّةٍ وقانونيّةٍ تعنى بضبط الحدود والبحث في الترسيم. هذا المسار، الذي واصلته اتصالاتٌ لاحقةٌ وزياراتٌ تقنيّةٌ، لا يزال يتقدّم بحذر، وثمّة رهانٌ على تحويله منصّةً عمليّةً للتنسيق الأمنيّ وكبح التهريب، بما يخفّف كلفة الفوضى على الداخل اللبنانيّ ويقوّي حجّة الدولة في طلب أيّ دعمٍ خارجيّ.
على الخطّ الثاني، تحرّك قائد الجيش العماد رودولف هيكل ميدانيًّا إلى البقاع، حيث هبط بطوّافةٍ عسكريّةٍ في جولةٍ تفقّديةٍ على المراكز الأماميّة. الرّسالة المباشرة، الجيش حاضرٌ على الحدود الشرقيّة، في مواجهة التهريب واختراقات السلاح والممنوعات، وفي اختبار الجهوزيّة الذي تفرضه مرحلةٌ انتقاليّةٌ بين ترتيبات الداخل وضغوط الخارج. جولة البقاع تتكامل سياسيًّا مع سجلّ عملٍ راكمه الجيش في الجنوب خلال الأشهر الماضية، من تفكيك بنى تحتيّةٍ ومخازن، حتّى إزالة مخلّفات القصف، بما يعزّز صورة المؤسّسة كذراعٍ تنفيذيّةٍ لقرار الدولة بحصر السلاح.
في المقابل، تردّد اليوم حديثٌ غير مؤكّدٍ عن إمكان “تسليم” أسلحةٍ تابعة لـ”حزب الله” من مخازن في البقاع. المعطيات المتاحة لا تسند هذه المزاعم، فلا نشراتٌ رسميّةٌ ولا تقارير موثوقةٌ خرجت لتأكيدها. والأهمّ أنّ المزاج الدوليّ، كما عبّرت عنه مصادر المانحين نفسها، يسير بالعكس تمامًا، أي ربط أيّ دعمٍ للجيش بتثبيتٍ لا لبس فيه لمبدأ السلاح الشرعيّ وحده. في هذا السياق أيضًا انتشرت في الساعات الماضية صورةٌ مزوّرةٌ لقائد الجيش برفقة مسؤولٍ في “حزب الله”، سرعان ما كشف أنّها مصنّعةٌ بالذّكاء الاصطناعيّ. الخلاصة، الحذر واجبٌ من “الضجيج” الدعائيّ في لحظةٍ حسّاسةٍ؛ فالتسريبات والصور الملفّقة تستخدم لتشويش مساراتٍ تفاوضيّةٍ وأمنيّةٍ شديدة التعقيد.
ما الذي يمكن البناء عليه سياسيًّا؟ أوّلًا، إنّ زيارة الرياض، بصرف النظر عن مخرجاتها الفوريّة، تأتي على إيقاع أجندةٍ خارجيّةٍ واضحةٍ، لا تمويل بلا سلطةٍ واحدةٍ وسلاحٍ واحد. ثانيًا، إنّ المسار اللبنانيّ والسوريّ في جدّة يقدّم إطارًا “وظيفيًّا” لخفض فوضى الحدود، إذا استكملته ترتيباتٌ تقنيّةٌ في ملفّي الترسيم ومكافحة التهريب. ثالثًا، إنّ تموضع الجيش على الجبهتين الجنوبيّة والشرقيّة يمنح الحكومة مادّةً لعرضٍ “تقدّميّ” قريب، خصوصًا أنّ خطّةً من خمس مراحل لحصر السلاح وضعت على الطاولة زمنيًّا حتّى نهاية تشرين الثاني جنوب الليطاني، ما يوفّر سرديّةً قابلةً للقياس أمام الداخل والخارج.
هكذا، يصبح تقرير الجيش المرتقب للحكومة، قريبًا جدًّا، اختبارًا للقدرة على تحويل الجولات والزيارات إلى مؤشّراتٍ تنفيذيّةٍ، أرقام تفكيك الأهداف، وتغطية الانتشار، وسير اللجان الحدوديّة، وما طبّق من 1701 وما ينتظر التمويل. بين الرياض والبقاع، يتبلور نهج “التوازي الضروريّ” في إدارة المرحلة. زيارةٌ سياسيّةٌ يفترض أن تكرّس سقف الشروط الخارجيّة وتفتح قنوات مساعدةٍ مشروطةٍ، وجولةٌ عسكريّةٌ تثبّت أنّ المؤسّسة قادرةٌ، بما يتيسّر، على تحمّل عبء الانتقال من حربٍ مفتوحةٍ إلى أمنٍ مضبوطٍ بقرار الدولة..