
خاص – الحزب يواجه على أربع جبهات ماذا عن النتائج؟
في لبنان اليوم، لم يعد السؤال ما إذا كان حزب الله يخوض معارك على أكثر من جبهة، بل كيف يستطيع الاستمرار في مواجهتها جميعًا من دون أن تتكسر أوراقه الواحدة تلو الأخرى. الحزب الذي اعتاد أن يقدّم نفسه كـ”قوة إقليمية عابرة للحدود” يجد نفسه محاصرًا: بقرارات الدولة، وبسقف المجتمع الدولي، وبخيارات الداخل اللبناني الذي لم يعد يحتمل ثمن المواجهات.
في الداخل: معركة الاحتفاظ بالسلاح ومعركة الوجود السياسي
أولى جبهاته مع الحكومة اللبنانية، منذ قرارات 5 و7 آب التي فتحت الباب أمام جدية النقاش حول تسليم السلاح. رفضْ الحزب كان متوقعًا، لكن المفاجئ كان قدرته على وقف المهل الزمنية للتسليم من خلال التهديد والوعيد والتحذير من حرب اهلية باعتبار سلاحه علّة وجوده متذرعًا باستمرار الاعتداءات الاسرائيلية وهذا ما تجلى في جلسة 5 أيلول. هذا الانتصار التكتيكي يفضحه ضعفه الاستراتيجي: فمن يستطيع كسر السقف الزمني لقرار الحكومة اليوم لن يمنع تراكم الضغوط غدًا، خصوصًا أن الحكومة الحالية مدعومة بغطاء عربي ودولي لا يستهان به في ظل تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في الإقليم.
الجبهة الثانية داخلية–سياسية. الحزب يصرّ على أنه ما زال قادرًا على قلب الطاولة، كما حاول أن يُظهر في أحداث الروشة من خلال كسر تعميم رئيس الحكوم ما أضّر بهيبة الدولة أو في رفضه اقتراع المغتربين ما يؤثر على نتائج الانتخابات هذا اذا حصلت وإذا لم تكن نية الحزب تطييرها.
لكن الحقيقة أن الحزب يقاتل في إطار معركة وجودية: كيف يقنع اللبنانيين أنه “شريك” لا “عبء”، فيما اقتصاده ينهار، وحلفاؤه يتساقطون، وصورته تنكسر في الداخل قبل الخارج؟
خارجياً: سياسة كسب “الوقت” والانفتاح الاضطراري
مع إسرائيل، يختبئ الحزب خلف سياسة “ضبط النفس”. لا يردّ على الاغتيالات والغارات والخروقات الإسرائيلية ما يجنّبه حربًا شاملة ولو على حساب هيبته، ويستغل الوقت لإعادة بناء وترميم ما دمّرته الضربات عسكرياً ومالياً . لكن هذه المعادلة لم تعد سرًا: إسرائيل تعرف أن حزب الله يشتري الوقت، ولبنان يعرف أن ثمن هذا الوقت يُدفع من أمنه واستقراره.
أما مع السعودية والخليج، فالمبادرة التي أطلقها نعيم قاسم لفتح صفحة جديدة تكشف ارتباكًا أكثر مما تعكس ثقة. الحزب الذي كان يفاخر بعدائه للرياض، يمدّ اليوم يده مذعنًا لواقع إقليمي لا يرحم، بعد أن تغيّر المزاج العربي، وبعد أن باتت إيران نفسها تبحث عن تفاهمات جديدة.
في ظل هذا الواقع المعقّد ثمّة من يراهن على خطة ترامب الأخيرة في غزة، والتي تعتبر فرصة للسلام بنظر البعض ونكسة واستسلام بنظر محور الممانعة وبخاصة حماس، ولهذه الخطة في حال نجاحها تداعيات كبيرة على الداخل اللبناني ما يجعل الحزب يخاف أكثر فأكثر على مصيره وقد تكون مدخل لفرض منطق مشابه في لبنان. الحكومة اللبنانية رحّبت بالمبادرة، لكن حزب الله تعامل معها كفخّ: “غزة جديدة” في الجنوب تعني نزع سلاحه مقابل مشاريع إعمار، وهو يدرك أن هذه وصفة لإنهاء وظيفته التاريخية.
التاريخ لا يعود إلى الوراء
وأخيراً المعادلات التي عاش عليها حزب الله منذ التسعينيات لم تعد قائمة. الداخل اللبناني ضاق ذرعًا، الخارج يضغط بلا هوادة، وإيران نفسها لم تعد قادرة على تغطيته كما في السابق. ما يفعله الحزب اليوم ليس سوى تأجيل مواجهة حتمية لا أحد يعلم موعدها.