القضاء يدخل على خط “صخرة الروشة”: فهل يصحح ما فرقته السياسة؟

القضاء يدخل على خط “صخرة الروشة”: فهل يصحح ما فرقته السياسة؟

الكاتب: طوني بولس | المصدر: اندبندنت عربية
2 تشرين الأول 2025

أثارت قضية إضاءة صخرة الروشة في بيروت سجالاً سياسياً وأمنياً واسعاً، بعدما استخدمت كمنصة لصور مرتبطة بـ”حزب الله” خلافاً لشروط الترخيص. النيابة العامة التمييزية أصدرت بلاغات بحث وتحرٍّ اعتبرت محاولة لترميم صورة الدولة واحترام القرارات الإدارية، فيما طاولت الاتهامات بصورة مباشرة جمعية “رسالات” اللبنانية للفنون، المقربة من الحزب، التي نالت ترخيص التجمع من محافظ بيروت بشرط عدم الإنارة.

في تطور قضائي لافت دخلت النيابة العامة التمييزية اللبنانية مباشرة على خط السجال السياسي والأمني الذي انفجر بعد إضاءة “صخرة الروشة” في بيروت الخميس الماضي بصور لرموز من “حزب الله”. فسطر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، بلاغَي بحث وتحرٍّ بحق شخصين توافرت أسماؤهما ضمن المسؤولين عن عملية الإضاءة، بعد امتناعهما عن المثول أمام التحقيق.

ويبدو أن اللقاءات التي عقدت بين رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، وبعدها اللقاء بين سلام والحجار، أعطت الغطاء السياسي لتحرك القضاء وأعادت ترميم صورة الدولة الممزقة، ولا سيما بعد تراشق إعلامي وتقاذف المسؤوليات بصورة غير معلنة بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

ترميم صورة الدولة

في الإطار، كشف مصدر قضائي متابع للملف القضائي عن أن قرار بلاغَي البحث والتحري هو محاولة واضحة لإعادة وصل ما انقطع بين النص القانوني والتنفيذ، أو بعبارة أدق لترميم صورة الدولة التي ظهرت ضعيفة أمام مشهدية سياسية وأمنية فائضة، وأشار إلى أن النيابة العامة التمييزية حددت المخالفة (خرق قرار إداري نافذ) وربطتها بمساءلة أشخاص محددين، في خطوة تحمل رسائل مزدوجة، أن الأوامر الإدارية ليست وجهة نظر وأن تعطيلها تحت ضغط الشارع أو السلاح الرمزي لا يسقط الملاحقة لاحقاً.

كسر قرار إداري

وبحسب المعلومات يتوقع أن يجري استدعاء آخرين خلال الأيام المقبلة للتحقيق معهم بقضايا كسر قرار إداري صادر عن سلام عن سابق إصرار وتصميم، وقدح وذم وتحقير بالمؤسسات والتحريض على الشغب، في حين اعتبر الحجار أن القوى الأمنية تعذر عليها منع إضاءة الصخرة بسبب الأعداد الكبيرة التي حضرت، في حين أن القوى الأمنية كانت جاهزة لوقفة رمزية تتضمن العشرات وفق الكتاب الذي وصلها من وزارة الداخلية، بالتالي التحقيق جارٍ لتحديد المسؤولين، في تحميل ضمني للمسؤولية الإدارية إلى الجهة المانحة للإذن (المحافظة) مقابل التزام الجيش حفظ النظام ومنع الاحتكاك من دون تكليف بفض التجمع.

الجمعية اللبنانية للفنون

ووفق مصادر أمنية، فإن الملاحقة بالدرجة الأولى ستكون بحق الجهة التي تقدمت بطلب العلم والخبر لتنظيم وقفة الروشة وهي “الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات” التي حصلت على الموافقة الصادرة عن محافظ بيروت مروان عبود. وبحسب قاعدة بيانات الجمعيات في لبنان، فإن ممثل الجمعية تجاه الحكومة هو محمد عماد الدين كوثراني مع لائحة مؤسسين.

وتضمن كتاب موافقة محافظ بيروت على التجمع مقابل الروشة مع شروط واضحة، وأبرزها “عدم إنارة صخرة الروشة مطلقاً لا من جهة البحر أو الرصيف أو الجو وعدم بث أية صور ضوئية…”.

معطيات إقليمية

في السياق، أكدت اجواء القصر الجمهوري أن رئيس الجمهورية يقف الى جانب القضاء لملاحقة المتورطين، وأنه أكد خلال لقائه مع رئيسي الحكومة والمجلس النيابي نبيه بري على ضرورة محاسبة من حاول المس بالسلم الأهلي وافتعال فتنة أمنية أو طائفية، موضحة أن حساباته في التعامل مع قضية “صخرة الروشة” ليست داخلية بحتة كما حاول بعضهم تصويرها، بل تتصل مباشرة بالوضع الإقليمي بأسره. وبحسب هذه المصادر، فإن الرئيس “حاول تجنب الصدام الداخلي ليس لأنه يصطف إلى جانب ’حزب الله‘، بل لأن لديه معطيات دقيقة تتعلق بتوازنات الحرب والسلم في المنطقة، وبما يمكن أن تذهب إليه إسرائيل في أية مواجهة مقبلة”.

أضافت متابعون أن أي صدام داخلي في ظل هذه الظروف قد ينقلب سلباً على لبنان، إذ يمكن أن تجد الأطراف الداخلية نفسها غارقة في نزاع داخلي في وقت تتعرض البلاد لحرب إسرائيلية جديدة، واعتبرت أن هذه القراءة تفسر حرص الرئيس على التهدئة على رغم ما يظهر من خلافات داخلية لأنه يرى أن “المعركة الحقيقية قد تكون خارج الحدود، وأي انقسام داخلي سيضعف الجبهة اللبنانية”، ولفتوا أيضاً إلى أن هذا الحرص يتقاطع مع النقاشات الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة، معتبرين أن ما يجري مع “حماس” قد يشكل “بروفة” لما يمكن أن ينتظر لبنان بعد جولة ثانية من القتال تقترب تدريجاً. ومن هنا، شددوا على أن موقف الرئيس “منطلق أساساً من دعمه المؤسسة العسكرية”، فهو يسعى إلى تحصين الجيش اللبناني ومنع زجه في أي صدام داخلي يعرضه للانقسام أو يفقده هيبته لأن بقاء الجيش موحداً هو الضمانة الأساسية لعدم انزلاق لبنان إلى الفوضى.

احترام القرارات الإدارية

في هذا السياق، أوضحت الكاتبة المتخصصة في الشؤون القضائية فرح منصور أن النيابة العامة التمييزية تحركت بطلب مباشر من رئيس الحكومة من أجل التحقيق والكشف عن هوية الأشخاص الذين شاركوا في إضاءة صخرة الروشة ومخالفة القرارات الإدارية وكسر قرار الدولة، واعتبرت أن الجمعية التي نالت الترخيص وتقدمت بطلب العلم والخبر لتنظيم النشاط خرقت الاتفاق الذي أبرم معها صراحة بعدم القيام بأي عرض ضوئي. وأضافت أن القاضي جمال الحجار سطر بلاغات بحث وتحرٍّ بحق شخصين ثبت أنهما أسهما في عملية الإضاءة بعدما تخلفا عن المثول أمام جلسات التحقيق التي استدعيا إليها في اليومين الماضيين، وأشارت إلى أن القاضي حولهما إلى شعبة المعلومات بعد رفضهما الحضور، في خطوة قانونية تندرج ضمن محاولة القضاء فرض احترام القرارات الإدارية.

وتابعت منصور أن التحقيقات تسير بالتوازي مع تعاون بين الأجهزة الأمنية، بلدية بيروت ووزارة الداخلية، إذ طلب القضاء تزويده بكامل بيانات الأشخاص المعنيين، سواء كانوا ممثلي الجمعية أو المنفذين المباشرين لعملية الإضاءة. وأكدت أن الملف موجه إلى أشخاص محددين وليس إلى كل المشاركين في التجمع، ومن المتوقع أن تتخذ بحقهم إجراءات قضائية مناسبة تبعاً للتحقيقات.

ولفتت منصور إلى أن الحجار “كان طلب سابقاً من وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تزويده بهويات كل من أسهم في الإضاءة، ومع وصول الـ”داتا‘ تباعاً جرى استدعاء شخصين تمكن القضاء من تحديد هويتهما، لكنهما لم يحضرا، فسطرت بلاغات بحث وتحرٍّ بحقهما وجرى تحويلهما إلى شعبة المعلومات”.

مسار قضائي

من جانبه أكد الكاتب المتخصص في الشؤون القانونية يوسف دياب أن القضاء يتحرك ضمن مسار واضح، “بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وبلدية بيروت ووزارة الداخلية، إذ جرى الطلب من هذه الجهات تزويده بالهويات والأسماء المرتبطة مباشرة بالعملية”، ولفت إلى أن هذا التحرك يستهدف أشخاصاً محددين وليس جميع المشاركين في النشاط، بانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات والإجراءات القضائية اللاحقة بحقهم. وأوضح أن فتح التحقيق جاء “بطلب مباشر من رئيس الحكومة بهدف التحقق من هوية الأشخاص الذين شاركوا في إضاءة صخرة الروشة ومخالفة القرارات الإدارية، بما يشكل كسراً لقرار الدولة”، وأردف أن الجمعية التي نالت الترخيص وتقدمت بطلب العلم والخبر لتنظيم النشاط “خالفت الاتفاق الذي كان يقضي بعدم القيام بأي عرض ضوئي على الصخرة”. وأشار إلى أن القاضي جمال الحجار أصدر بلاغات بحث وتحرٍّ بحق شخصين تبين أنهما أسهما في الإضاءة وارتكبا مخالفة صريحة، بعدما تخلفا عن الحضور إلى جلسة التحقيق التي استدعيا إليها سابقاً، مؤكداً أن هذا الإجراء القضائي جاء نتيجة امتناعهما عن المثول، مما دفع النيابة العامة التمييزية إلى إحالة الملف إلى شعبة المعلومات.

رسائل دولية سلبية

لم تقف تداعيات قضية “صخرة الروشة” عند حدود الداخل اللبناني أو عند اختبار العلاقة بين الرئاسة والحكومة. وبحسب معلومات دبلوماسية متقاطعة، أثارت هذه المشهدية ردود فعل سلبية لدى عدد من الدول المراقبة للوضع اللبناني. فالمسألة لم تقرأ كخلاف محلي عابر، بل كرسالة مقلقة بأن أركان الحكم في لبنان عاجزون عن فرض القرارات التي يصدرونها وأن الدولة بدت في موقع العاجز عن حماية رمز سيادي في قلب العاصمة. واعتبرت هذه الأوساط أن ما جرى يمثل إشارة خطرة على محدودية قدرة السلطات اللبنانية في تطبيق القانون، ويطرح علامات استفهام حول جديتها في قيادة مسار تغييري حقيقي أو إحداث إصلاحات جوهرية في طريقة إدارة الدولة.