
تحويل معاملات النافعة إلى “ليبان بوست”: بين تسهيل الخدمات وتحدّي الفساد خطوة مهمة
منذ عقود، تحوّلت النافعة أو مصلحة تسجيل السيارات والآليات إلى عنوان للبؤس الإداري في لبنان. فالطوابير التي تمتدّ لساعات، وتعقيد الأوراق المطلوبة، وتشتّت المراجعات بين الدوائر، كلها جعلت المواطن يواجه معركة يومية لإنجاز معاملة بسيطة. لكن الأخطر من ذلك أن النافعة باتت رمزا للفساد البنيوي، إذ ارتبط اسمها بفضائح متكرّرة طالت موظفين كبارا وشبكات سمسرة تعمل علنا.
يكفي التذكير بملفات مثل فضيحة اللوحات المزوّرة التي كشفت عام 2022 تورّط موظفين في إصدار لوحات سيارات بطريقة غير قانونية، أو ملف رخص السوق الممنوحة مقابل رشى، إضافة إلى شبكات السماسرة التي كانت تتقاضى مبالغ كبيرة مقابل إنجاز معاملات “من تحت الطاولة”. كل هذه التجارب رسّخت اقتناعا عاما بأن النافعة ليست مؤسسة خدماتية بقدر ما هي سوق مفتوحة للزبائنية والرشوة.
من هنا جاء قرار تحويل قسم من معاملات النافعة إلى مؤسسة “ليبان بوست”، خطوة إصلاحية تهدف إلى تخفيف الضغط عن الدوائر الرسمية وتقليص فرص الفساد المباشر. فشبكة فروع “ليبان بوست” الواسعة تتيح للمواطن إنجاز معاملاته من منطقته بدل التوجه إلى المراكز المركزية المكتظة، فيما يُفترض أن يؤدي اعتماد المكننة والدفع الإلكتروني إلى الحدّ من التعامل النقدي المباشر، وبالتالي تقليص منافذ الرشوة.
إيجابيات هذه الخطوة واضحة بحسب مصادر في وزارة الداخلية، وهي تسهيل الخدمة، وتقصير الوقت، وتخفيف الاحتكاك بين المواطن والموظف الرسمي. ويبقى السؤال الأهم: هل تؤدي هذه النقلة فعلا إلى محاربة الفساد؟
التجربة اللبنانية السابقة تعلّمنا أنّ نقل الخدمة من القطاع العام إلى الخاص لا يعني بالضرورة القضاء على الفساد. ففي غياب الرقابة الجدية والشفافية، قد تتحوّل المؤسسة الخاصة نفسها إلى بديل من شبكات السماسرة التقليديين، ما يعيد إنتاج المشكلة نفسها بوجه جديد.
إلى ذلك، يجب التنبه إلى أن أصل الأزمة في لبنان ليس فقط في موظف يتقاضى رشوة، بل في نظام إداري متآكل يعتمد على المعاملات الورقية البطيئة، ويتيح مجالا واسعا للتأخير والابتزاز. لذلك فإن تحويل المعاملات إلى “ليبان بوست” خطوة مهمة لكنها تبقى محدودة ما لم تُستكمل بمشروع شامل للمكننة وربط الدوائر إلكترونيا، بما يحول دون أي تلاعب في المراحل اللاحقة للمعاملة.
في المحصلة، إنّ نقل معاملات النافعة إلى “ليبان بوست” يشكل تقدّما ملموسا على مستوى الخدمة اليومية للمواطن، ويضيّق هامش الفساد الذي كان يثقل كاهله، لكنه لا يعالج وحده جوهر المشكلة. فالمعركة الحقيقية ضد الفساد تقتضي أكثر من خصخصة جزئية، بل تتطلّب إصلاحا إداريا جذريا، ومكننة شاملة، ورقابة صارمة تمنع أي طرف رسمي أو خاص من تحويل المعاملة العامة إلى سلعة خاضعة للابتزاز أو النفوذ.