فريدمان عن خطّة ترامب: إنّه القطار الأخير… وإلّا فالجحيم

فريدمان عن خطّة ترامب: إنّه القطار الأخير… وإلّا فالجحيم

الكاتب: ايمان شمص | المصدر: اساس ميديا
2 تشرين الأول 2025

يرى الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزّة “خطّة ذكيّة لتحويل حفرة قنبلة إلى منصّة انطلاق للسلام، إذ تستغلّ حرباً مروّعة في غزّة ليس فقط لوضع أساس جديد لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل أيضاً للتطبيع بين إسرائيل والسعوديّة ولبنان وسوريا، وربّما العراق أيضاً. وإذا نجحت فقد تؤدّي إلى التحوّل المطلوب في إيران”.

 

لكن على الرغم من وصفه هذه الخطّة بأنّها قد تكون غير مسبوقة في إبداعها، يستبعد فريدمان احتمال تحقّقها لأنّها تأتي في وقت غير مسبوق في قسوته، وتهدف إلى وقف حرب عامين من القتال بين اليهود والفلسطينيّين، هي الأعنف في تاريخ هذا الصراع، وربّما تكون قد فعلت شيئاً لم تفعله أيّ حرب إسرائيليّة عربيّة سابقة: لقد جعلت تحقيق السلام أمراً مستحيلاً.

يشكّ فريدمان في أنّ ترامب يدرك مدى صعوبة هذه المهمّة، وكم من الوقت والرأسمال السياسيّ ستتطلّب منه شخصيّاً، وكم سيضطرّ إلى الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحركة “حماس” وحلفاء أميركا العرب لكي يقوموا بأمور لا يرغبون في القيام بها فحسب، بل قد تكون خطرة عليهم سياسيّاً وجسديّاً. ويتشكّك في صدق نتنياهو في إعلانه موافقته على هذه الخطّة، قائلاً إنّه لن يصدّقه حتّى يعلن دعمه لها باللغة العبريّة لشعبه وحكومته.

خطّة ضروريّة

لكنّه يعتقد أنّ الأمر يستحقّ المحاولة لأنّها ضروريّة للغاية من نواحٍ عديدة:

– إنّ الجميع يدرك أنّ الإسرائيليّين والعرب والإيرانيّين لا يستطيعون تحمّل حرب أخرى. يتمّ توزيع طائرات بدون طيّار وأسلحة صاروخيّة أكثر ذكاءً وأرخص ثمناً على نطاق أوسع، وهو ما يمنح المزيد من الفاعلين قوّة أكبر بسرعة أكبر.

– يستطيع نتنياهو أن يقول ما يشاء كما فعل حين قال إنّه إذا لم تقبل “حماسّ” هذه الخطّة “فستُنهي إسرائيل المهمّة بنفسها” في غزّة، وهو ما صرّح ترامب بدعمه له. لكنّ القول أسهل من الفعل. إذا حدث ذلك فسيُفرض على إسرائيل احتلال عسكريّ دائم لغزّة ومواجهة تمرّد دائم، وهو ما تُعارضه قيادتها العسكرية. لهذا السبب، وبعدما طرح ترامب هذه الصفقة على الطاولة، لن يكون من السهل على “بيبي” أو “حماس” رفضها رفضاً قاطعاً.

– إنّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصّةً “تيك توك”، يعني أنّ فيديوهات كلّ ضحيّة مدنيّة، كلّ مدنيّ مُقطّع، يُمكن بثّها الآن على هواتف جميع سكّان العالم. لذا الطريقة الوحيدة، كما تكتشف إسرائيل، لهزيمة عدوّ مثل “حماس”، المُتغلغل بين المدنيّين، هي أن تُصبح منبوذة بين الدول، وأن تُنبذ فرقها الرياضيّة وأكاديميّتها وفنّانيها في العالم.

– يمكن لنتنياهو أن يعلن، مع بعض التبرير الحقيقي، أنّ إسرائيل تدافع عن القيم الديمقراطية الغربية بهزيمة “حماس” الإسلامية الفاشيّة في غزّة. حماس منظّمة مروّعة ، وخاصّة بالنسبة للفلسطينيّين. لكن يمكن اليوم لأيّ مراهق على “تيك توك” أن يرى أيضاً كيف يُديم “بيبي” والمتفوّقون اليهود الإسرائيليّون الاستعمار الاستيطانيّ على النمط الغربيّ في الضفّة الغربيّة. لا أحد ينخدع.

– هذه الخطّة للسلام ضروريّة أيضاً لأنّنا يجب ألّا نتخلّى عن حلّ الدولتين مهما بدا مستبعَداً، لأنّه يبقى الحل الوحيد العادل والمنطقي لهذا الصراع. لكنّ علينا أن ندرك أنّه لا يمكننا تحقيق ذلك من هنا.

– نحن بحاجة إلى جسر يبني الثقة بعدما دُمّرت كلّ ذرّة منها. تقترح هذه الخطّة تحقيق ذلك من خلال إنشاء تفويض مُعتمَد من الأمم المتّحدة لوضع غزّة تحت إشراف هيئة حاكمة دوليّة وقوّة عسكرية، بموافقة عربية ومساهمة من السلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية. المنطق هو أنّه ما لم يتمكّن الفلسطينيون في غزّة من بناء وإثبات قدرتهم على الحكم هناك، فمن المستحيل الحديث عن حلّ الدولتين.

لمنح الفلسطينيّين أفضل فرصة لإثبات ذلك، لا يحتاجون إلى دعم دولي فقط، بل أيضاً إلى انسحاب إسرائيل من غزّة، ووقف جميع عمليّات بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية. يجب إجبار إسرائيل على ترك إمكان قيام دولة فلسطينية مفتوحة إذا حقّق الفلسطينيون معايير حكم معيّنة.

ترامب يستطيع فرضها

في رأي فريدمان أنّ ترامب وحده، الذي تُقرّ خطّته بالدولة “كطموح للشعب الفلسطينيّ”، قادر على فرض ذلك على نتنياهو. يعتقد أنّ على إسرائيل استغلال خطّة ترامب، مشيراً الى أنّ تدمير إسرائيل للقدرات العسكرية لكلّ من إيران و”الحزب” فتح آفاقاً جديدة هائلة للتكامل الإقليمي، فإذا استطاعت خطّة ترامب للسلام أن تمهّد الطريق لحلّ الدولتين، فستمنح السعوديّة ولبنان وسوريا وحتّى العراق مجالاً واسعاً للنظر في الانضمام إلى اتّفاقات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وإذا مضت قدماً فستعزل إيران إلى حدٍّ قد يؤدّي في النهاية إلى صراع داخليّ حقيقيّ وتغيير في الاستراتيجية هناك.

يخلص إلى القول إنّ اللاعبين الرئيسيّين يدركون بطريقة أو بأخرى أنّ هذا هو القطار الأخير إلى مكان لائق، وإنّ القطار التالي، وكلّ القطارات التي تليها، ستكون بلا توقّف إلى أبواب الجحيم.