الدولة العميقة تمارس التطهير بحق المغتربين

الدولة العميقة تمارس التطهير بحق المغتربين

الكاتب: اسعد بشارة | المصدر: نداء الوطن
3 تشرين الأول 2025

ليس الرئيس نبيه بري مجرد ممثلٍ للدولة العميقة في لبنان، بل هو قائدها والمايسترو الذي يحتجز مفاتيح النظام من خلال إقفال المجلس النيابي كلما اقتضت مصالحه السياسية. هذا الدور الذي لعبه سابقًا في العام 2005، عندما منع إقرار قانون المحكمة الدولية عبر تعطيل المجلس، يتكرر اليوم لكن في سياق مختلف: منع المغتربين من ممارسة حقهم في التصويت، بذريعة الحفاظ على التوازنات الداخلية.

بري يختصر المشهد بعبارة حاسمة يرددها في مجالسه: “على جثتي يمر تصويت المغتربين”. هذه العبارة تختزل حجم الرفض الذي يبديه تجاه فتح صناديق الاقتراع أمام اللبنانيين المنتشرين في أصقاع العالم. ولأجل ذلك، لم يتردد في إقفال البرلمان وضرب القوانين بعرض الحائط، متجاهلًا العريضة التي وقّعها 67 نائبًا طالبوا باحترام حق المغتربين الدستوري.

خطة بري تقوم على أحد خيارين: إما التمديد للمجلس النيابي لأربع سنوات جديدة، وإما الذهاب إلى انتخابات على أساس قانون انتخابي يُبقي القديم على قدمه، بما يضمن بقاء التوازنات السياسية نفسها ورئاسة المجلس مضمونة سلفًا. وبذلك، تتحول الديمقراطية إلى أداة شكلية يديرها بري بصفته الحاكم الفعلي للدولة العميقة.

لكن الأخطر أن ما يقوم به يشكل نوعًا من “التطهير العرقي السياسي” بحق المغتربين، إذ يُقصيهم عن تقرير مصير وطنهم لمجرد أنهم يشكلون كتلة وازنة قادرة على قلب المعادلات. بري يجاهر بإغلاق أبواب المجلس ويعتبر نفسه وصيًا على القرار، ضاربًا الدستور ومبدأ المساواة بين المواطنين بعرض الحائط.

ورغم سوداوية هذا المشهد، فإن لهذه المواجهة وجهًا إيجابيًا يتمثل في أنها تساهم بفرز الألوان الحقيقية للقوى السياسية. فقد كشف الستار عن فريق مسيحي لطالما تباهى بعظمة الانتشار ورفع شعار تمثيل المغتربين، لكنه في لحظة الحقيقة تراجع وفضّل التواطؤ مع من يمنع أصوات المغتربين، خشية أن تنقلب تلك الأصوات على نفوذه التقليدي.

إنها مواجهة تكشف حقيقة الدولة العميقة التي يقودها بري، وتضع الانتشار اللبناني أمام امتحان الصمود بوجه مشروع إقصائهم من الحياة السياسية.