بيروت تغرق في أزماتها… وعيْنها على خطة غزة

بيروت تغرق في أزماتها… وعيْنها على خطة غزة

المصدر: الراي الكويتية
3 تشرين الأول 2025
– لقاءات واتصالات تُسابِق جلسة «تقرير الجيش حول سَحْب السلاح»
– «حزب الله كَسَرَ» ابتعاده عن قصر بعبدا… ورعد زار عون

لم يكن يَنقص بيروت، بعد «الصفعة» التي تلقّتْها الدولةُ وهيْبتُها على صخرة الروشة من «حزب الله»، سوى دخولٌ إيراني جديد على خط كَبْحِ مَسارِ تفكيك ترسانته والذي يشكّل مدماكاً رئيسياً يتطلّع إليه الخارج بوصْفه «مقياسَ» استعادةِ المؤسسات اللبنانية دورها واحتكار القوى الشرعية وحدها حمْل السلاح، وتالياً حجرَ الزواية في عملية دعم «بلاد الأرز» في النهوض من تحت ركام حرب الـ 65 يوماً وحُطام الأزمة المالية – الاقتصادية.

وفي الوقت الذي يسعى لبنان الرسمي إلى «لَمْلَمِة» تشظياتِ «عاصفة الروشة» وما تَرَكتْه من ندوبٍ على علاقةِ رئيسيْ الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، خصوصاً في ظلّ إصرار الأخير على رفْض أن تدير الدولة «الخدَّ الأيسر» بعد كَسْرِ «حزب الله» تعميمه بمنع إضاءةِ صورتيْ السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين على الصخرة، توقفت أوساط وساعة الاطلاع عند كلام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني عن أن حزب الله «قادر على قَلْبِ الموازين في لبنان ولكنه يلتزم الصمت حالياً في مواجهة خروق (إسرائيل) لوقف النار».

واعتبرت أن قول لاريجاني في مقابلة مع التلفزيون الإيراني إنه «إذا كان حزب الله لا يتحرك الآن فلأنه لا يريد الإخلال بوقف النار في لبنان مع إسرائيل، وإلا فهو يملك القدرة على قلب الموازين»، جاء على طريقة «صبّ الزيت على النار» التي يَلوح دخانُها الأسود فوق سماء «بلاد الأرز» التي تتربّص بها إسرائيل وفي يدها جوهر خطة إنهاء الحرب في غزة الذي يتمحور حول «اجتثاث» حركة «حماس» كنموذجٍ لا تُخْفي الدولة العبرية ومعها بعض الوجوه البارزة في إدارة الرئيس دونالد ترامب الرغبةَ في تعميمه على «حزب الله» في شقه العسكري، سواء بعد إنجاز ما بقي من «المَهمة» في القطاع وفق خريطة الـ 20 بنداً، أو بـ «حربٍ أخيرةٍ» وربما متزامنةٍ صار لها أفق سياسي وأمني جاهز وواضح على كل الجبهات الموصولة جغرافياً بإسرائيل.

ولاحظتْ هذه الأوساط أن مواقف لاريجاني أتت مُخالِفةً لـ «تخفيفه» من بيروت يوم السبت (شارك في ذكرى اغتيال نصر الله في الضاحية الجنوبية) مضمون تصريحٍ كان أدلى به في 24 سبتمبر رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف الذي نفى وجود طريق «مسدود بالمطلق» لإيصال الأسلحة لحزب الله رغم إقراره بوجود «صعوبات». وقد ردّ أمين المجلس القومي الإيراني حينها بأن الحزب «قوي لدرجة أنه لا يحتاج إلى السلاح من مكان آخَر».

وفي رأي الأوساط عيْنها أن ما أدلى به لاريجاني للتلفزيون الإيراني لا يمكن فَصْلُه عن «التوقيت الجديد» الذي فَرَضه إعلان خطة ترامب التي وضعت «حماس» واقعياً بين الاستسلام والذهابِ إلى «تحت المقصلة» على قدميْها، ولا عن معاودة تفعيل «آلية الزناد» وعودة إيران إلى دائرة العقوبات، معتبرة أنّ طهران وبما قاله أمين المجلس القومي عن «حزب الله» تسعى إلى ترجمة «عقيدتها» التي جاهر بها قاليباف بوضوح حين أعلن أن مساندة إيران لحركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله تمثل «دفاعاً عن الأمن القومي والمصالح الوطنية ولمنع تمدد الكيان الصهيوني حتى حدود الجمهورية الاسلامية».

وإلى جانب البُعد الإستراتيجي لخسارةِ طهران ورقة «حماس» ومن دون أي مقابل، بعدما أدى ضمور المحور الإيراني في ضوء نتائج حرب لبنان الثالثة وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا إلى إنهاء «صلاحية» لعبة المقايضاتِ والـ «ماتريوشكا» التي كانت تقوم على رفْع منسوبِ التأزيم «المتعدّد الطبقة» الذي كان يتولى حمايةِ المشروع الأمّ لإيران، فإنّ موضوع العقوبات والإشارات الإسرائيلية إلى إمكان استنئاف المواجهة مع الجمهورية الإسلامية يَحْضُران في خلفيةِ تصدُّرها مجدداً واجهة «النطق باسم حزب الله» وعلى طريقة «الأمر لي»، وهو ما ترافقَ مع ليس فقط رَفْعِ الحزب مستوى رَفْضِه لسحْب سلاحه الى حد إعلانها «معركة كربلائية»، بل أيضاً مع إنهاء الحوثيين «هدنة السفن» بعيد كشْف خطة غزة.

وعلى وهج هذه التشابكات المُخيفة، يعود ملف سحب سلاح «حزب الله» إلى طاولة مجلس الوزراء الخميس المقبل، حيث سيُناقش التقرير الشهري الأول للجيش حول الخطة التي وضعها وتبنّتها الحكومة في 5 سبتمبر لتفكيك ترسانة الحزب على مراحل، أولها في جنوب الليطاني (حتى نهاية ديسمبر)، كما ستَحضر قضيةُ الروشة وما أثارته من ارتجاجاتٍ على خط علاقة عون وسلام خصوصاً في ضوء ملاحظات الأخير على أداء القوى العسكرية والأمنية في محيط الصخرة وقد شكرها وفيق صفا (القيادي في الحزب) على «مساهمتها في إنجاح الفاعلية وإضاءة صورتيْ نصر الله وصفي الدين» في مقابل إعلاء رئيس الجمهورية لغة «الخط الأحمر» دفاعاً عن الجيش وقوى الأمن الداخلي ودورها «الأسمى» في حفظ السلم الأهلي وعلى قاعدة أنه «القائد الأعلى للقوى المسلّحة».

وفي الطريق الى جلسة الخميس، تتكثف محاولات إزالة ما بقي من ترسباتٍ لأزمة الصخرة في علاقة عون وسلام والتي لم تبّددْها بالكامل زيارة رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية الثلاثاء، وسط اتساع مناخ التضامن مع سلام من قوى سياسية خصوصاً السيادية كما من أطراف سنية.

«حزب الله» في القصر الجمهوري

وكان بارزاً أمس تطوّران في القصر الجمهوري:

– استئناف اللقاءات المباشرة بين عون و«حزب الله» بعد انقطاعٍ منذ قرار الحكومة بسحب سلاح الحزب (5 أغسطس)، حيث زار رئيس كتلة نوابه محمد رعد أمس رئيس الجمهورية «حيث تم التداول في عدد من القضايا والاستحقاقات الوطنية، وجرى التوافق على معالجة التباينات بحرصٍ على تحقيق المصلحة الوطنية العليا»، كما جاء في بيان صدر عن المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية.

– والثاني زيارة نائب رئيس الوزراء طارق متري للرئيس عون والتي جرى فيها التطرق إلى جلسة مجلس الوزراء المقبلة «حيث من المتوقع أن نستمع خلالها إلى قيادة الجيش حول التقرير الشهري المتعلق بحصرية السلاح، كما بحثنا في أجواء الثقة القائمة بين الحكومة ورئيس الجمهورية»، وفق ما أكد متري.

كما أشار نائب رئيس الحكومة إلى أنه أطلع عون على حصيلة الاجتماعات اللبنانية – السورية التي انعقدت في بيروت الأربعاء، «وهي محادثات من شأنها أن تُسهم في توطيد الثقة في العلاقات بين لبنان وسوريا»، وقال:«درسنا مختلف الملفات، ونعمل على معالجة القضايا العالقة، وأبرزها موضوع الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، حيث سنواصل البحث مع الجانب السوري في هذا الشأن، إضافة إلى التعاون لكشف حقيقة إمكان وجود لبنانيين في السجون السورية».

وكان سلام أكد لصحيفة «النهار» أن «العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة محكوم عليها بالتوافق من أجل النجاح في الإصلاح وبسط السيادة»، مشدداً على ضرورة حصر السلاح في البلد و«هذا ما نص عليه خطاب القسم والبيان الوزاري». وأوضح أن«هناك متغيرات كبيرة في المنطقة، منها سقوط النظام السوري، وتراجع الهيمنة الإيرانية، والهجمات الإسرائيلية على اليمن، بالإضافة لما يحصل في غزة، لذلك فنحن في منطقة جديدة اليوم، وهناك مخافة ما يحصل في المنطقة، وهذا سيؤثر على لبنان حكماً»، داعياً إلى الاستفادة من هذه التغيّرات والتأقلم مع هذا الواقع.

وفي موازاة ذلك، استمرّت التحقيقات في ملف مخالفة قرار سلام وإضاءة صخرة الروشة بصورة نصر الله وصفي الدين، وقد جرى أمس استحواب شخصين، بإشراف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي أمر بترك أحدهما بسند إقامة والثاني رهن التحقيق، وهذا الأخير هو صاحب جهاز الليزر الذي جرى عبره إضاءة الصخرة بالصورتين.

وجرى استدعاء ثلاثة أشخاص آخَرين لاستجوابهم في هذه القضية اليوم.

وقد ترافق ذلك مع اجتماع عقده سلام مع وزير الداخلية أحمد الحجار، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله، ورئيس شعبة المعلومات العميد محمود قبرصلي.

قانون الانتخاب… مُطاحَنة وأكثر

وفي هذا الوقت، بدا أن«المطاحَنة»حول الانتخابات النيابية المقرَّرة في مايو المقبل تشتدّ، خصوصاً حول بند اقتراع المنتشرين الذين تتمسك القوى السيادية بأن يَنتخبوا للنواب الـ 128 الذين يتألف منهم البرلمان، كل في دائرته، ما يستوجب إلغاء المادة 112 وأخواتها في القانون النافذ، في مقابلِ إصرار حزب الله والرئيس نبيه بري ومعهما التيار الوطني الحر على السير بالقانون الساري الذي ينصّ على استحداث 6 مقاعد إضافية موزَّعة على القارات الست.

وقد بلغتْ هذه المطاحنة التي تخفي وراءها صراعاً على التوازنات السياسية في برلمان 2026، حدّ التهديد بتعطيل العمل التشريعي، في حال أصرّت القوى المُعارِضة لـ«حزب الله»على عدم توفير النصابِ ما لم يُدرج بري اقتراح قانون معجل مكرر لإلغاء المادة 112 على جلسة تشريعية أو تتولى الحكومة إحالة مشروع قانون بالعَجَلة نفسها وبما يتلاءم مع إعلانها أن تفعيل هذه المادة دونه «عيوب» تتطلب تدخلاً للمشرّع، ليتمّ في ضوء ذلك حسْم على أي قانون سيقترع المنتشرون (بدأت أمس مهلة تسجيلهم في الخارج) الذين أبْدوا خشيةً من أن تؤدي المكاسرة حول تصويتهم إلى تطيير هذا المبدأ وتالياً حرمانهم حتى حقّ في الاقتراع في لبنان إذا تم شطب أسمائهم بعد التسجيل.

ولم يكن عادياً أمس إعلان الرئيس نبيه في تصريح صحافي وفي معرض تمسكه بقانون الانتخاب الحالي«لا يتقدم عليه إلا الإنجيل والقرآن».

ولم تَحجب هذه التطورات الأنظار عن استهداف إسرائيل أمس المهندسين أحمد سعد ومصطفى رزق بغارة في منطقة الخردلي الواقعة بين منطقة النبطية ومرجعيون.

وأعلنت نقابة المهندسين أن الضحيتين كانا يتوجهان إلى منطقة الخيام للقيام بعمليات مسح للأضرار وتقييم للبنية التحتية.