لهذه الأسباب… الضربة الإسرائيلية – الأميركية القادمة قد تستهدف إسقاط النظام الإيراني

لهذه الأسباب… الضربة الإسرائيلية – الأميركية القادمة قد تستهدف إسقاط النظام الإيراني

الكاتب: خالد الحاج | المصدر: النهار
4 تشرين الأول 2025

الصمت الأميركي لا يُقرأ كإهمال، بل كمؤشر على خطة أعمق تسير وفق توقيت محدّد. فواشنطن اعتادت أن تتحرك ضمن استراتيجيات بعيدة المدى

منذ الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو، ومع توقّف الضربات الإسرائيلية – الأميركية على إيران، بدأت طهران تتصرّف وكأنها أمام نافذة جديدة للتفاوض. تصريحات شبه يومية صدرت عن المرشد علي خامنئي، وعن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فضلًا عن شخصيات سياسية بارزة، كلها تدور حول شروط وضمانات تحتاجها إيران للعودة إلى الطاولة. غير أنّ المشهد بدا وكأن طهران تتحدث مع نفسها. فالطرف المقابل – الولايات المتحدة – لم يُبد أي اهتمام علني، ولم يصدر عن أي مسؤول أميركي ما يوحي بوجود مفاوضات أو حتى نية لمحادثات، وكأن الأمر لا يعنيهم.

هذا الصمت الأميركي لا يُقرأ كإهمال، بل كمؤشر على خطة أعمق تسير وفق توقيت محدّد. فواشنطن اعتادت أن تتحرك ضمن استراتيجيات بعيدة المدى، وغالبًا ما تترك خصومها يغرقون في حساباتهم الداخلية، بينما هي تدير المسار من خلف الستار. وعليه، يمكن القول إن الحرب لم تنتهِ، بل انتقلت إلى مرحلة مختلفة.
هنا يطرح السؤال نفسه: ماذا تريد أميركا من إيران؟

الإجابة تصبح أوضح إذا تذكّرنا أنّ طهران، ولأول مرة في تاريخها، قدّمت عرضاً غير مسبوق لرئيس أميركي: فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الأميركية بصفقة تُقدّر بتريليون دولار. رقم خيالي لم يحلم به أي رئيس في البيت الأبيض. ومع ذلك، لم تمر 24 ساعة حتى كانت إسرائيل، بمشاركة أميركية مباشرة، تُنفذ ضربات على الأراضي الإيرانية. هذا وحده يكشف أنّ واشنطن لا تريد “بيضة الذهب”، بل تطمح إلى السيطرة على “الوزة” كاملة.

المشكلة بالنسبة لواشنطن ليست فقط في إيران كدولة متمرّدة أو كخصم إقليمي مزعج، بل في موقعها ضمن الاستراتيجية الصينية العالمية. فإيران تمثل جسرًا حيويًا في مشروع بكين الضخم المعروف بـ”الحزام والطريق”. ومنذ عام 2016، وضعت طهران وبكين أسس “اتفاق الـ25 عاماً للشراكة الشاملة”، وهو اتفاق خصصت الصين بموجبه نحو 400 مليار دولار لاستثمارات في الصناعات النفطية والغازية والبتروكيماوية، إضافة إلى تطوير شبكة النقل البرّي.

لكن الأهم ليس الاقتصاد الداخلي فقط. الصين تعمل على تمكين إيران لتصبح عقدة استراتيجية في النقل البحري والجوي والاستخباري. ففي مرفأ “جاسك” المطل على مضيق هرمز، تعمل بكين على توسعة المنشآت بحيث تتحول من مجرد مرفأ صيد متواضع إلى نقطة تحكّم بالملاحة في أحد أهم الممرات البحرية في العالم. السيطرة على “جاسك” لا تعني فقط نفوذًا اقتصاديًا، بل تمركزًا عسكريًا قد يسمح للسفن الحربية الصينية بالتحكم بحركة الدخول والخروج من المضيق.

أما مرفأ “شاباهار” المطل على المحيط الهندي، فيُخطط له أن يصبح مركزًا متكاملًا للنقل والتجارة والاستخبارات. توسعة المطار هناك ستضيف قدرات جوية إلى القدرات الملاحية، فيما يجري الحديث عن إنشاء قاعدة للتجسس الإلكتروني قادرة على اعتراض إشارات في نطاق يصل إلى ثلاثة آلاف ميل، أي في قلب المجال الحيوي لقيادة “السنتكوم” الأميركية في قطر. هذه مشاريع لا يمكن لواشنطن أن تتجاهلها، لأنها تمس مباشرة بأمنها القومي ونفوذها في الخليج.

هكذا يتضح أن إشكالية أميركا مع إيران أعمق من البرنامج النووي أو النفوذ الإقليمي. المسألة الحقيقية أن إيران، إذا تُركت دون احتواء، ستصبح جزءًا من العمود الفقري للاستراتيجية الصينية في آسيا والشرق الأوسط. قبول العرض الإيراني بفتح الأسواق الأميركية يعني عمليًا تسليم إيران للصين، وهو أمر ترى فيه واشنطن استسلامًا استراتيجيًا لمنافستها الأولى.

من هنا يمكن قراءة الموقف الأميركي: لا تفاوض جدّيا، ولا استعداد لقبول تسويات جزئية. الهدف النهائي أصبح أبعد: إسقاط النظام الإيراني نفسه، لا مجرد تعديل سلوكه. الضربات الإسرائيلية – الأميركية السابقة لم تكن سوى مقدمة، اختبار لقدرات إيران الدفاعية، ورسالة تحذير من أن الحرب القادمة لن تكون على غرار حرب الاستنزاف، بل ستكون معركة وجودية.

هذا التصعيد لا ينفصل عن الحسابات الكبرى بين واشنطن وبكين. فالصراع على المستقبل الاقتصادي العالمي يتمحور حول من يسيطر على الممرات، والمصادر، والطاقة، والبنى التحتية. وإيران، بموقعها الجغرافي وجيولوجيتها الغنية، تمثل حجرًا أساسيًا في هذا الصراع. بالنسبة لواشنطن، السماح لطهران بالاستمرار في شراكتها مع الصين يعني القبول إن إيران تُصبح “وزيراً” متقدّماً على رقعة الشطرنج العالمية لصالح بكين. لذلك، الخيار الوحيد هو إخراج هذا الوزير من اللعبة، أي إسقاط النظام.