
هل مبادرة ترامب الملاذ الأخير لإسرائيل و”حماس”؟
ماذا لو انتهت الخطة الترامبية في مخاضها الأخير بوقوف نتنياهو على باب السجن و”حماس” إلى “التاريخ الفلسطيني” إيذاناً ببلوغ اليوم التالي؟ وعليه فان التشكيك الاسرائيلي له ما يشبهه في الجانبين العربي والغربي.
فرضت المواقف المعلنة من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، قراءة جديدة على أكثر من مستوى. فإلى المصاعب المنتظرة في الطريق، يتطلّع المراقبون إلى “تجربة فذّة” لم يعرفها العالم سابقاً. وإلى أن تتظهر المواقف النهائية، تلوح في الأفق صيغة جديدة، إن نجحت فقد تأتي بتجربة “هونغ كونغ” التي امتدت لعقود، قبل أن تستقر بعودتها إلى الصين. فهل يعيد التاريخ نفسه؟
قبل الغوص في مصير خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ببنودها الـ 21، لا بدّ من الإضاءة على القراءة الإسرائيلية لها، ورأي الإعلام الإسرائيلي المتنوع فيها. فقد كشفت الصحافة الإسرائيلية أنّ هناك من أعطى الأهمية لإجبار ترامب لبنيامين نتنياهو على الاعتذار “المهين” من قطر عشية “يوم الغفران”، وقبل ساعات من وجبة الإفطار، قبل الحديث عن مضمون الخطة وشكلها، وما يمكن أن تقود اليه، كما قال أحد محللي “هآرتس” الذي اعتبرها من “المقبلات” قبل تناول الوجبة كاملة ببنودها المختلفة.
واعتبر آخرون، كمثل أحد رؤساء شعبة الاستخبارات العسكرية السابقين ومؤسس ورئيس منظمة”Israel Mind” ومعه رئيسة مشروع “الفلسطينيون والمنطقة” فيها، أنّ خطة ترامب فرصة لشرق أوسط خالٍ من حركة “حماس”. ذلك أنّ الخلطة التي طرحها ترامب بشأن قطاع غزة سترسم “مساراً جديداً وإيجابياً لإنهاء الحرب وإعادة المخطوفين وإحداث تحوّل استراتيجي بالنسبة إلى إسرائيل التي عليها أن تنشط ديبلوماسياً لكي تستثمر ذلك”.
وما بين هذه النظريات برزت نظرية إسرائيلية إضافية تقول، إنّ الاقتراح الاميركي الذي يقضي بإعادة جميع الرهائن خلال 72 ساعة، وبانسحاب يشرّع نزع سلاح “حماس”، يخلق للمرّة الأولى فرصة نادرة للحصول على اعتراف دولي واسع بالموقف الاسرائيلي من شروط إنهاء الحرب، وتحقيق أهدافها باستسلام “حماس” من دون أن ترفع الراية البيضاء، وهي مسألة طُرحت حولها الأسئلة الصعبة.
وبمعزل عن المواقف الإسرائيلية المبدئية مما أُعلن عنه، توجّهت الأنظار إلى قراءة مواقف الأطراف الأخرى، ولا سيما منها الدول المعنية بـ “التفاصيل المملة” التي شهدتها المفاوضات في مراحلها السابقة، حيث خضعت اقتراحات ترامب لمزيد من التشكيك والموافقات المسبقة في انتظار الموقف النهائي لحركة “حماس”، الذي تنتهي مهلة صدوره نهاية الاسبوع وفقاً لما حدّدها ترامب، وهو أمر يفرض الاستعداد لقراءة جديدة لمصير البنود الـ21، التي يبدو انّ كثيراً منها خاضع للمناورة لدى المعنيين الذين يمكنهم التملّص من المواقف الإيجابية المسبقة، وهو ما يهدّدها بالفعل وليس على المستوى النظري للأمور. ذلك انّ للغات والمفاهيم الديبلوماسية مِهلاً معروفة، فإنّ لم تحقق أهدافها المعلنة والغامضة يمكن أن تقود إلى لغة أخرى بعيدة منها، وقد تقترب من المفاهيم العسكرية الحاسمة.
وعلى هذه الخلفيات توقفت مراجع ديبلوماسية أمام مجموعة الملاحظات العربية والخليجية، ولا سيما المصرية منها، التي توقفت بعد تأييد مضمون الخطة، عند مجموعة من الملاحظات التي تتناول دورها في تحضير القوى الأمنية الفلسطينية التي ستشرف على الأمن في القطاع، وقضايا أخرى لم تكن واضحة، وإن لم ترفقها الإدارة الأميركية بمزيد من التفاصيل، فقد تتعقّد الامور اكثر مما يتصوره أحد. ففي الملاحظات المرتقبة اكثر من سؤال يُقلق الأطراف العربية والغربية، والإدارة الأجنبية للقطاع تحتاج إلى موافقة مجلس الأمن لتكتسب الشرعية الدولية، في مبادرة لا سابق لها.
وإن اعتبر أحد الديبلوماسيين العارفين، انّ الاقتراح الترامبي يجعل قطاع غزة الولاية الثانية والخمسين، إن وُضعت إدارته برئاسة الرئيس الأميركي. فالجميع يدرك أنّ الولايات المتحدة الأميركية تضمّ 50 ولاية بالإضافة إلى واشنطن العاصمة التي تعبر ولاية فدرالية، وسيتحول القطاع “أحد الكيانات السياسية الأساسية المكونة للاتحاد الأميركي، وتمتلك كل منها دساتيرها الخاصة”، وهو أمر فريد من نوعه وربما وجدت عراقيل أخرى لا يمكن إمرارها بسهولة، خصوصاً في مجلس الأمن الذي سيبحث في تجربة خارقة لا سابقة لها ويحتاج إلى تحديد حدودها الشرعية التي ستنال اعترافاً خاصاً. وهو أمر سيقود حتماً إلى معضلة جديدة ستنشأ لدى الأطراف العربية والعالمية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية على أرض القطاع والضفة، ما سيزيد من العراقيل أمام الخطة وطريقة إخراجها إلى النور.
وبناءً على ما تقدّم، لا يبدو أنّ الأمر ينتظر موقف قيادة “حماس” وحسب. فالتقارير الديبلوماسية التي وردت من عواصم عدة، وخصوصاً من الدول الكبرى، لم تعط رأياً نهائياً في ما هو مطروح. وإن لم يكن الرئيس ترامب قد هيأ الأرضية الصالحة للمشروع لدى الأصدقاء الحلفاء وربما الخصوم في مجلس الأمن والمنتديات الدولية. فقد تجد “حماس” فرصة لطلب الإجماع الدولي ما لم يقف إلى جانبها سوى ايران والحوثيين في اليمن، وربما دول أخرى مثل فنزويلا ودول تعادي الولايات المتحدة في المطلق، او يمكنها أن تزايد على المواقف المؤيّدة للقضية الفلسطينية، والتي لا يمكنها أن تعطي الأميركيين شيكاً على بياض. وهو أمر يستثني منه الديبلوماسيون موسكو التي يمكن أن تكون فتحت نافذة لتغيير الموقف الأميركي مما يجري في أوكرانيا، على خلفية ما بقي من تفاهمات سرّية في قمة ألاسكا ولم تظهر بعد إلى سطح الأحداث الدولية والإقليمية، وإن انضمت إليها الصين فقد تتغيّر أمور كثيرة.
على هذه الخلفيات، تبحث المراجع الديبلوماسية التي تتناول الخطة، عن آلية لترجمة الغامض من بنودها والموعود منها، مخافة أن تأتي التفاصيل بعدد من العِقد التي عُطّل الأساسي منها، فتكون إسرائيل قد استفادت من المهل القصيرة المعطاة لتسليم الأسرى دفعة واحدة، وربما الإفراج عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين، ولكنها لا تشكّل محطة لتغيير الوضع عند بلوغ اليوم التالي للحرب الذي سيكون بعيداً ومبنياً على قواعد متحركة قد تأتي بكثير من المفاجآت السلبية وربما الخطيرة على طرفي النزاع.
وفي المحصّلة، خلصت المراجع العليمة إلى طرح سؤال عمّا إذا كانت مبادرة ترامب الفرصة الأخيرة لكل من إسرائيل و”حماس” لتصلا إلى اليوم التالي للحرب. ولا تستبعد أن ترى سيناريو، ربما لن يكون خيالياً، يقف فيه نتنياهو على “عتبة السجن” و”حماس” على “عتبة تاريخ الحراك الفلسطيني”، من دون أن تولد الدولة الموعودة. وهو أمر يحيي إمكان استنساخ تجربة “هونغ كونغ” التي عبرت من الانتداب البريطاني إلى وضع “دولي خاص” من العام 1941 حتى عودتها إلى الصين عام 1997.