
خاص – لبنان بعد خطة ترامب في غزة: أربعة سيناريوهات أحلاها مر
بعد انطلاق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في غزة، والتي تهدف إلى فرض تسوية شاملة تبدأ من القطاع وتمتد إلى الجبهات المحيطة، سيعود لبنان إلى واجهة الاهتمام الدولي بوصفه الساحة التالية التي قد تشهد اختبارًا سياسيًا وأمنيًا جديدًا.
فبعد سنوات من الهدوء النسبي، يبدو لبنان اليوم على تماس مباشر مع تحوّلات الإقليم، ومع احتمالات مفتوحة تتراوح بين التهدئة والتصعيد وسيناريوهات معقدة أحلاها مر.
السيناريو الأول: تنفيذ سلس لاتفاق وقف الأعمال العدائية – تسوية حذرة بشروط صعبة
يقوم هذا السيناريو على تنفيذ تدريجي لاتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع في 27 تشرين الثاني 2024، والذي نصّ على انسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية من بعض النقاط التي سيطرت عليها بعد حرب أيلول ، مقابل توسيع انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وسحب سلاح حزب الله شمال الليطاني تدريجيا، ضمن تفاهمات غير مباشرة تتعلق بملف سلاح حزب الله.
تحقّق هذا المسار يعني فتح الباب أمام مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب، بغطاء أميركي برعاية دولية، لبحث النقاط الحدودية الثلاث عشرة وملفات النفط والغاز في البحر المتوسط.
غير أن العقبات أمام هذا السيناريو كثيرة:
غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين بعد عقود من المواجهة.
تمسّك حزب الله بسلاحه خارج نطاق جنوب الليطاني واعتباره “ركن الردع الأساسي”.
رغبة إسرائيل في الإبقاء على منطقة أمنية عازلة على طول الحدود الشمالية.
وعليه، يبقى هذا السيناريو الأكثر استقرارًا نظريًا، والأقل احتمالًا في المدى القريب، ما لم يتوافر دعم إقليمي حقيقي ورعاية دولية صارمة للتنفيذ.
السيناريو الثاني: التصعيد المحسوب – الطريق نحو تسوية أميركية جديدة
في حال تعثّر تطبيق الاتفاق الحدودي واستمرار الخروق المتبادلة، قد تلجأ إسرائيل إلى تصعيد عسكري محدود ضد مواقع للحزب في الجنوب والبقاع والضاحية، دون أن تتطور الأمور إلى حرب شاملة من دون رد عسكري من حزب الله.
هذا التصعيد قد يشكّل ذريعة لإدارة ترامب لطرح خطة سلام لبنانية – إسرائيلية، تضع مهلاً زمنية محددة لمعالجة ملف السلاح مقابل حوافز اقتصادية ومساعدات دولية لإعادة إنعاش الاقتصاد اللبناني المنهك.
يجد هذا الطرح دعمًا من فرنسا والسعودية اللتين تريان أن أي استقرار في لبنان يمرّ عبر معالجة تدريجية لمعادلة الدولة والسلاح، ومن الأمم المتحدة التي تسعى إلى تثبيت القرار 1701 وتوسيعه.
لكن نجاح هذا المسار يتطلب تفاهمًا ضمنيًا مع طهران، وضمانات بعدم انزلاق الحزب إلى مواجهة مفتوحة.
في ضوء ذلك، يبدو هذا السيناريو الأقرب إلى التطبيق الواقعي، لأنه يجمع بين الضغط العسكري المحدود والدفع السياسي المتزامن، مع قابلية لبنان للانخراط في تسوية تحفظ شكله المؤسسي وتخفف من عزلته.
السيناريو الثالث: التصعيد الإقليمي الشامل – عودة الحرب الكبرى
السيناريو الأخطر يتمثّل في انزلاق الإقليم إلى مواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران.
في هذه الحالة، يُرجّح أن ينخرط حزب الله في الحرب دفاعًا عن إيران، ما يفتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها ويدفع إسرائيل إلى اجتياح واسع في الجنوب والبقاع بحجة حماية حدودها .
تقدّر تقارير أممية أنّ اندلاع مثل هذه الحرب سيؤدي إلى كارثة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، مع انهيار ما تبقّى من البنى التحتية ونزوح مئات الآلاف.
اقتصاديًا، ستكون الكلفة كارثية: انهيار إضافي للّيرة، توقف المساعدات الدولية، وانسحاب الاستثمارات الخليجية، ما سيعيد لبنان سنوات إلى الوراء.
السيناريو الرابع: الجمود القاتل – اللاسلم واللاحرب
في حال قرّر حزب الله مواصلة الامتناع عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والاكتفاء بضبط الميدان، ستبقى يد إسرائيل مطلقة في تنفيذ ضرباتها المحدودة بغطاء أميركي، فيما تبقى الدولة اللبنانية عاجزة عن فرض سيادتها أو تنفيذ القرار 1701 بالكامل.
في هذا الواقع، تعمل الحكومة اللبنانية على احتواء التوتر عبر التنسيق مع قوات اليونيفيل، لكنها تصطدم بانقسام داخلي حول حدود صلاحيتها في ملف السلاح.
النتيجة: استمرار حالة “الهدوء المهدّد”، حيث لا حرب تُحسم ولا سلام يُبنى، ويستمر النزيف السياسي والاقتصادي بوتيرة بطيئة.
لبنان بين الممكن والممنوع
بين تسوية جزئية، وتصعيد محسوب، وحرب شاملة، وجمود قاتل، يبقى لبنان رهينة التوازنات الخارجية و الاصطفافات الداخلية.
فالقرار الوطني ما زال مشتتًا بين دولة تبحث عن الاستقرار وقوة مسلحة ترى في التهدئة هدنة مؤقتة، فيما يعجز المجتمع الدولي عن فرض حلّ شامل.
السيناريوهات الأربعة ليست احتمالات منفصلة بل مسارات متداخلة، وقد ينتقل لبنان من واحد إلى آخر في غضون أسابيع.
لكن المؤكد أنّ أي مستقبل مستقر لن يولد إلا من تسوية داخلية شجاعة تعيد للدولة دورها، وتضع الأمن والاقتصاد في كفّة واحدة، بعيدًا عن معادلات السلاح وحدود النار.