الضغط الأميركي يُغيّر قواعد اللعبة… فهل انتهى عهد «بلطجي الحارة»؟

الضغط الأميركي يُغيّر قواعد اللعبة… فهل انتهى عهد «بلطجي الحارة»؟

المصدر: الراي الكويتية
6 تشرين الأول 2025
– خطة ترامب تفتح الباب أمام تسوية سياسية أوسع قد تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية ما يشكل قلقاً إستراتيجياً للقيادة الإسرائيلية
– «حماس» تسعى لتحويل نفسها إلى نموذج «حزب الله غزة» مع الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي خلف الكواليس
– بدلاً من أن يقنع ترامب شركاءه في إسرائيل بالنزول عن الشجرة… هو يسقط الشجرة عليهم

قال المحلل السياسي عاموس هرئيل في تحليله لصحيفة «هآرتس»، إن الرئيس دونالد «ترامب لا يكتفي بفرض رغبته على تل أبيب وعلى حركة حماس في محاولته لإنهاء الحرب، بل يعلن حرباً ضروساً على الوقائع نفسها».

وأضاف أن ترامب «يُثبت هذه المرة أيضاً أنه صاحب القرار النهائي في مسألة حرب غزة، حتى لو لم يكن ذلك متوافقاً مع مواقف الحكومة الإسرائيلية».

من جهته، أشار الكاتب ميخائيل ميلشتاين في «يديعوت أحرونوت» إلى أن «ترامب يتخذ الخيار لإسرائيل: إعطاء الأولوية لصفقة، حتى لو تميزت بثغرات، ووقف موقت وربما طويل الأمد للجهد العسكري في القطاع».

المأزق الإستراتيجي

وقال الخبير الإستراتيجي أيال زيسر في تحليله لصحيفة «إسرائيل اليوم»، إن «إسرائيل تكتشف أنها عادت إلى المعضلة نفسها بين خيارين عند مفترق طرق إستراتيجي، حيث يتعين عليها اختيار أهون الشرين».

وأوضح أن الخيارين هما «إما احتلال كامل للقطاع والبقاء فيه من دون حد زمني، مع دفع ثمن باهظ، وإما صفقة ستكون مصحوبة أيضاً بثمن باهظ».

وحذر زيسر من أن «خطة ترامب تضع خريطة طريق نحو هدف واضح لم يذكر أبداً حتى في اتفاق أوسلو – إقامة دولة فلسطينية»، معتبراً أن هذا «يشكل حتى تراجعاً عن صفقة القرن لترامب من العقد السابق».

التحديات العسكرية والأمنية

وأبرز ميلشتاين، التحدي الأمني الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل، قائلاً «في ظل الظروف الجديدة، من المرجح أن تسعى حماس لأن تصبح بمثابة حزب الله غزة».

وأضاف أن حماس «ستسعى خلف الكواليس للحفاظ على نفوذها في القطاع: الاستمرار في الحفاظ على قوة عسكرية، حتى لو كانت محدودة، وممارسة نشاط سياسي وتنظيم مدني متفرع».

بدوره، أشار برئيل إلى أن «حماس – التي تجاهلت في ردها موضوع نزع سلاحها – لا تتطرق إلى البند الذي يضمن الانتقال الآمن لرجالها الذين سيسلمون سلاحهم، ولا توضح موقفها من نشر قوة متعددة الجنسية في القطاع».

التحول الجيوسياسي والإقليمي

ولفت برئيل إلى أن «مصفوفة الضغوط السياسية شهدت تحولاً جذرياً»، موضحاً أن «الخطوات التي بادرت إليها الدول العربية في الساحة الدولية أدت إلى تآكل عميق في أسس النموذج الإستراتيجي الأميركي القديم – الذي منح إسرائيل أفضلية سياسية ومفتاحاً حصرياً للبيت الأبيض».

وأضاف أن «جماعة عربية نادرة برزت، قادرة على أن تنافس إسرائيل في استخدام النفوذ في البيت الأبيض والحصول على مكانة صانع السياسة الإقليمية».

المشهد الداخلي الإسرائيلي

وأكد ميلشتاين أن «نهاية الحرب ستسمح بالتعامل مع القضايا الحرجة التي تم تهميشها في العامين الماضيين»، مشيراً إلى أن ذلك يشمل «لجنة تحقيق حكومية في جذور المؤامرة وفشل السابع من أكتوبر، والمشاكل الأساسية التي تم الكشف عنها في الحرب، مثل العلاقة بين الدولة والحريديم والتجنيد في جيش الدفاع الإسرائيلي».

لكن بحسب المحلل السياسي في صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية، أريئيل كهانا، فإن «ترامب أدرك أن الشعب في إسرائيل يريد أمرين، تحرير المخطوفين والانتصار على حماس. وهذا بالضبط ما تمنحه الخطة التي بلورها صهره جاريد كوشنير وصديقه ستيف ويتكوف، اللذان تعاونا مع نتنياهو ورون ديرمر».

وادعى كهانا أن «طرح الأمور كأن ترامب فرض شيئاً على نتنياهو هو طرح سخيف. وترامب تحدث هاتفياً مع نتنياهو ونسق الأمور معه. إذ إن خطته جيدة لإسرائيل ونتنياهو يريد تطبيقها. ووقف العمليات الهجومية في غزة، من أجل إنجاح الخطة على أرض الواقع، يتلاءم مع المصالح الإسرائيلية». لكن كهانا «لم يتطرق إلى احتمال سقوط حكومة نتنياهو بسبب معارضة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير لوقف الحرب».

واعتبر أنه «بهذه الطريقة تحافظ إسرائيل على ترامب في جانبنا، وتنقل الكرة إلى ملعب حماس، بينما لا تكلفنا ثمناً أمنياً باهظاً. إذ إن الجيش الإسرائيلي لم يتوقف عن إطلاق النار، وإنما أوقف العمليات الهجومية فقط. أي لم يسيطر على مناطق جديدة في مدينة غزة، لكننا احتفظنا بالسيطرة على المناطق التي بأيدينا. ولايزال جنودنا يسيطرون على محور نيتساريم ويمنعون الغزيين من العودة إلى الشمال. ونتيجة لذلك، كان هناك عشرات القتلى في غزة بعد الإعلان الإسرائيلي بناء على طلب ترامب حول (وقف العمليات الهجومية)».

واعتبر المحلل السياسي في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع، أنه «بدلاً من أن يقنع ترامب شركاءه في إسرائيل بالنزول عن الشجرة، هو يسقط الشجرة عليهم. فهو لا يطلب ولا يشرح ولا يساوم، وإنما يملي رأيه عليهم، ويهددهم بجهنم إذا لم يوافقوا. وهذا الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن ينجح في الشرق الأوسط. ولن يكون مستحقاً لجائزة نوبل للسلام فحسب، وإنما لجائزة نوبل للكيمياء أيضاً».

ولفت برنياع إلى أن «إسرائيل متعلقة بالولايات المتحدة أكثر من هذه الدول. وخلافاً لهذه الدول، ليس لدى إسرائيل بديلاً، لا في الصين ولا في روسيا ولا في إيران. وليس لديها بديلاً في أميركا أيضا. فنتنياهو والحرب ألحقا ضرراً جسيماً في تأييد الديمقراطيين لإسرائيل وفي تأييد قسم مهم من حركة ترامب والحزب الجمهوري. وهذا ما يحدث لدولة وضعت كل رصيدها في سلة واحدة».

وبحسبه، فإن «ترامب لا يهدد نتنياهو، وإنما يأمره. وليلة الجمعة – السبت أوضحت ذلك للجميع. فقد عقد نتنياهو مداولات أمنية أملاً بإظهار رد حماس على أنه سلبي ومواصلة تقدم القوات في مدينة غزة. وغرّد ترامب أن وجهة حماس نحو صفقة، وانقلب كل شيء فوراً. وأصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أمراً للقوات بالتوقف مكانها… وليس مؤكداً أن نتنياهو كان راضياً من سرعة انتقال أوامر ترامب إلى ميدان القتال. لكن الحقائق فرضت. للمرة الأولى ستجري إسرائيل مفاوضات مع حماس بلا رافعة إطلاق النار. والرافعة الوحيدة المتبقية هي ترامب، وهذه رافعة قوية جداً وهي ليست بأيدينا».

وتابع برنياع أن «إسرائيل والوسطاء سيتداولون في التفاصيل، لكن في الوضع الحاصل ستجري المفاوضات الحقيقية بين إسرائيل وترامب، وبين الوسطاء وترامب. فهو الزعيم. ويدرك الجميع أن الانتصار، إذا سيكون هناك انتصار، فإنه لترامب. إسرائيل ستنهي الحرب، إذا أنهتها، جريحة ومنبوذة ومُقادة. وقطر، التي هاجمها نتنياهو، ارتقت إلى مكانة حليف. وإسرائيل هي الأخ الأصغر الذي يلزم الأخ الأكبر، الأولاد باللعب معه. وكل ما يتعلق بالعلاقات بين أميركا وإسرائيل، فإن عهد بلطجي الحارة… انتهى».

ومن واقع الوضع في تل أبيب خلص العديد من الخبراء الإسرائيليين الى استنتاجات إستراتيجية أبرزها:

1 – المرحلة العسكرية المباشرة انتهت بضغط أميركي، وانتقلت إسرائيل إلى مرحلة جديدة من المواجهة.

2 -«حماس» تسعى لتحويل نفسها إلى نموذج«حزب الله غزة» مع الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي خلف الكواليس.

3 – التحالف العربي الناشئ أصبح لاعباً رئيسياً في صناعة القرار الإقليمي، متحدياً الاحتكار الإسرائيلي للتأثير على واشنطن.

4 – إسرائيل تواجه تحديات داخلية وجودية تحتاج إلى معالجتها بعد توقف الحرب.

5 – خطة ترامب تفتح الباب أمام تسوية سياسية أوسع قد تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يشكل قلقاً إستراتيجياً للقيادة الإسرائيلية.

6 – فتح باب التطبيع مع دول عربية وإسلامية، مثل أندونيسيا وباكستان وغيرهما.

تبقى الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الصفقة ستشكل بداية لمرحلة جديدة مستقرة، أم مجرد هدنة موقتة تسبق جولة مواجهة أخرى، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتناقض المصالح بين الأطراف المختلفة.