
وزير العدل ومجلس كتاب العدل… وجهًا لوجه هل سيمرّ التعميم 1355؟
في بلد اعتاد أن تتسلّل إليه الأموال المظلمة تحت عباءة القوانين، جاء التعميم رقم 1355 لوزير العدل عادل نصّار كطلقة إنذار في وجه منظومة التحايل التي غذت لعقود اقتصاد الظلّ اللبناني. فالتعميم الذي وجّهه الوزير إلى كتاب العدل يتضمّن منع إجراء أي معاملة توثيق أو تصديق أو تفويض أو بيع أو نقل ملكية لأيّ شخص أو جهة مدرجة على لوائح العقوبات الدولية، سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو وزارة الخزانة الأميركية أو الاتحاد الأوروبيّ.
لكن هذا التعميم جاء ليطرح أكثر من علامة استفهام قانونية إذ تؤكّد مراجع قانونية ودستورية أنه كان عليه أن يراعي أصولًا قانونيّة معيّنة بما فيها صدور قرار عن مجلس الوزراء وعدم تقييد الملكية الفردية التي حماها الدستور، ونقاطًا أخرى لا تراعي الدستور والقانون.
ما الذي كان يجري واستدعى إصدار التعميم؟
لقد كان لبنان، في مراحل كثيرة، ساحة لتبييض أموال تدار من خلف الستار عبر توكيلات وهمية وشركات صورية وإمكانية تنفيذ معاملات قانونية عبر وكلاء أو أسماء وسيطة أمام بعض كتاب العدل. هذه الثغرات سمحت لأفراد وكيانات خاضعة للعقوبات بمواصلة أعمالهم ونقل ملكيات أو تأسيس شركات جديدة بأسماء أقارب أو شركاء موالين، كما مكّنت «حزب اللّه» وشبكاته المالية من التمدّد داخل النظام المالي والقانوني نفسه ما جعل لبنان عرضة لاتهامات بالتراخي في تطبيق منظومة الامتثال المالي الدولي.
مصادر قانونية فندت لـ «نداء الوطن» الآليات الشائعة المستخدمة:
– بعض كتاب العدل كانوا يبرمون توكيلًا باسم وسيط، دون التحقق الكامل من الخلفية الجنائية أو وجود الاسم في لوائح العقوبات المحلية أو الدولية.
– إخفاء «المالك الحقيقي» عبر استخدام هيئات أو شركات «صب» (front companies) بأسماء أقارب أو شركاء غير ظاهرة، لتسجيل الأصول تحتها، بينما السيطرة الحقيقية تكون لشخص مدرج على لوائح العقوبات كما حصل من خلال استخدام شركات مرتبطة بمعاقبين دوليًا لتبييض الأموال وتحويلها لصالح «حزب اللّه».
– التنقل عبر «السلع النفيسة والفن» وتحويل الأموال إلى سلع ثمّ بيعها أو إعادة تصديرها—مثل الألماس أو اللوحات الفنية—كي تبدو كمعاملات تجارية عادية واستخدام شركاتٍ متعدّدة لتصدير أعمال فنيّة وشرائها وللتلاعب في الفواتير والمستندات لتخبئة الأموال ضمن «أنشطة مشروعة».
– استخدام مؤسّسات مالية لبنانية وأخرى مرتبطة بـ «حزب اللّه» شاركت في عمليات غسيل أموال عبر شراء سيارات مستعملة في الولايات المتحدة، ثمّ بيعها في غرب أفريقيا وتحويل العائدات إلى لبنان.
– استخدام عائدات تجارة المخدّرات لتمويل عمليات مشبوهة، ثمّ ضخها في الاقتصاد اللبناني.
لماذا جاء التعميم الآن؟
مصادر متابعة تشير إلى أن التعميم جاء استباقًا لأيّ إدراجات جديدة متصلة بالوضع الإقليميّ، وخصوصًا بعد تصاعد المراقبة الدولية لتحرّكات مالية مرتبطة ببيئة «حزب اللّه» ومؤسساته الاقتصادية والمالية. كما أنه جاء عشية استعداد لبنان في تشرين الثاني المقبل لتقديم تقرير مفصّل إلى مجموعة العمل المالي حول الخطوات والإجراءات المتخذة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ويجمع خبراء في الشأن المالي على أن كتلة مالية غير قليلة كانت تمرّ عبر بوّابات بعض كتاب العدل، سواء من خلال توكيلات أو هبات ظاهرها قانونيّ وباطنها عمليات تبييض أموال وتمويه لملكية عقارات وشركات لصالح أفراد مرتبطين بـ «حزب اللّه» أو شخصيات مدرجة على لوائح العقوبات. هذا الاستخدام الممنهج للثغرات القانونية ساهم في إبقاء شبكة تمويل «الحزب» ناشطة ضمن الحدود اللبنانية، رغم القيود المصرفية المفروضة منذ العام 2016.
وزير العدل ومجلس كتاب العدل… وجهًا لوجه
وعلمت «نداء الوطن» أن اجتماعًا سيعقد اليوم بين الوزير نصّار ومجلس كتاب العدل الذي سيعرض الهواجس والإمكانات وسيسمع في المقابل وجهة نظر الوزير وكيفية التطبيق. كما يرجح أن يبحث أيضًا التعميم في جلسة مجلس الوزراء إلى جانب البحث في الإجراءات التي يتمّ اتخاذها على خلفية «صخرة الروشة». مصادر كتاب العدل أكّدت أنهم فوجئوا بالتعميم وأن هناك 6 مواد غير قابلة للتطبيق لأنهم ليسوا جهازًا أمنيًا وما يطلب منهم يفوق المهام المنصوص عليها في نظام كتاب العدل.
وتساءلت المصادر: كيف يمكن التحقق من أن كلّ أطراف الوكالة أو المعاملة غير مدرجين على لوائح العقوبات؟ وكيف يمكن التحقق من مصدر الأموال؟ ومن لديه القدرة على ذلك؟ وما هي آليّة التطبيق؟ وذكّرت المصادر بمشروع الربط الإلكتروني كما هو الحال لدى كتاب عدل فرنسا والذي لا يزال قيد الدرس منذ سنوات، وإقراره أهمّ بكثير من التعميم الذي صدر. وأشارت إلى أن التعامل التجاري في لبنان أصبح بالتعامل النقدي بعد أزمة المصارف، وطالما لم تحلّ الأزمة المصرفية، فإن الأمور لن تستقيم لا سيّما أن معظم اللبنانيين لديهم أموال نقدية في منازلهم.وتحدثت مصادر كتاب العدل عن شوائب قانونية كثيرة موجودة في التعميم وأنهم قد يتجهون إلى الطعن به لدى مجلس شورى الدولة.
في المحصّلة، تعميم وزير العدل أمام تحدّيين. الأول سياسي، وسيتظهّر في إمكانية طرح الملف من قبل الوزيرين المحسوبين على «حزب اللّه» في جلسة مجلس الوزراء في ظلّ الخلل القانوني للتعميم. والثاني قضائيّ، مع إمكانية توجّه مجلس كتاب العدل للطعن بالتعميم أمام مجلس شورى الدولة.
والسؤال: هل سيسلك طريقه نحو التطبيق أم أن التعميم ولد ميتًا؟