أي اتفاق ممكن عشية الذكرى السنوية الثانية لـ “طوفان الأقصى”؟

أي اتفاق ممكن عشية الذكرى السنوية الثانية لـ “طوفان الأقصى”؟

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
7 تشرين الأول 2025

ارتفع منسوب القلق لدى قيادة “حزب الله” مخافة أن تسلّم “حماس” أسلحتها والتخلّي عن السلطة لئلا تتحول “بروفا” يمكن استنساخها في لبنان. وعليه هل من خلاف حول توقيت ساعة الصفر لوقف إطلاق النار؟!

هل هي الصدفة التي قادت إلى التفاهم على “خطة ترامب” الخاصة بوقف الحرب في غزة، عشية الذكرى السنوية الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، التي شكّلت شرارة مسلسل الحروب المتناسلة التي امتدت على جبهات عدة، وغيّرت وجه الشرق الأوسط من غزة إلى طهران وما بينهما في لبنان وسوريا، عدا عن تلك التي انعكست على الساحات اليمنية والعراقية والقطرية. وهو ما أدّى إلى بروز مجموعة مؤشرات لم تكتمل فصولها بعد، بانتظار تنفيذ المراحل الأولى في غزة، قبل رؤية انعكاساتها على الساحات الأخرى.

تحلّ اليوم الذكرى الثانية لمسلسل الحروب المتناسلة التي انطلقت من عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول عام 2023، من دون أن يتوقف شلال الدم في غزة وبنسبة أقل في أكثر من منطقة كما في الضفة الغربية وفي لبنان وسوريا. وكل ذلك يجري على وقع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخطة الخاصة بغزة، بغية إنهاء الحرب فيها والانتقال إلى اليوم التالي. ولكن ذلك لم يحل بعد، دون استمرار العمليات العسكرية التي خالفت – ببلوغها العام الثاني بالتمام والكمال ـ كل التجارب التاريخية والتوقعات في تاريخ الحروب الإسرائيلية ـ الفلسطينية والإسرائيلية ـ العربية كما الإسرائيلية ـ الإيرانية، بعدما تورطت فيها مختلف دول المنطقة بجيوشها، ومجموعات من أحزاب وقوى وحركات غير شرعية اكتسبت صفة “الأذرع”، ومعها القوى الدولية الكبرى التي شاركت او استُدرجت إلى عمليات ومهمّات عسكرية استثنائية، إلى درجة إن احتُسبت بدقّة وما خصصته من قدراتها العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية، تفوق عدداً وعدة القوى التي شاركت في الحرب العالمية الثانية.

على هذه الخلفيات، توقفت مراجع ديبلوماسية وسياسية عليمة، عند بعض الحقائق والمؤشرات التي ترسم صورة واضحة لما آل اليه الوضع بعد عامين من الحروب المتنقلة، بحيث كانت تخفت في قطاع غزة في مراحلها الأولى، على وقع مجموعة الهدن الإنسانية الخمس التي تمّ التوصل إليها، في وقت كانت المناوشات قائمة على الساحة اللبنانية للتخفيف من قساوة وعنف العمليات العسكرية على القطاع، على وقع ما سمّاه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله حرب “الإلهاء والإسناد”، على خلفية التضامن مع “المقاومة الفلسطينية ” والتخفيف من حدّة العنف الذي تعرّض له سكان القطاع والجرائم التي طاولت المؤسسات التربوية والصحية والإنسانية وتلك الأممية التي كانت تأوي النازحين في أرضهم، عدا عن الأحياء السكنية والمرافق العامة، بهدف تدميرها وعزلها ووقف خدماتها إلى درجة يستحيل العيش فيها.

لم تكن تلك المرحلة كافية لتحريك الرأي العام العالمي، ولفت نظره إلى حجم العنف المفرط المستخدم ضدّ الفلسطينيين. فقد ركّزت المبادرات على الفصل بين ما يجري في القطاع، حيث الجبهة الإسرائيلية الوسطى، وتلك الشمالية مع جنوب لبنان دون جدوى، إلى أن تطورت الأمور وانزلق لبنان إلى الحرب الكبرى بعد مسلسل الاغتيالات الذي طاول عدداً من قياديي الحزب، بدءاً من عدد من المسؤولين وفي مقدمهم، نهاية تموز 2024، كان رئيس الأركان فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، بفارق ساعات عن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران، قبل أن تُفجّر في بداية النصف الثاني من أيلول شبكة “البيجر” وعشية تفجير شبكة الـ “ووكي توكي” واستهداف قيادة “قوة الرضوان” قائداً وقادة الوحدات، بعد يومين، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بعد أسبوع وخليفته هاشم صفي الدين في الأسبوع الذي تلاه. وهو ما قاد إلى الحرب الكبرى، بعدما اختار لها الحزب اسم حرب “أولّي البأس”، والتي امتدت 66 يوماً وانتهت بتفاهم على تجميد العمليات العدائية في 27 تشرين الثاني 2024.

وانطلاقاً مما تقدّم، كانت الحرب على غزة قد بلغت الذروة في نهاية عامها الأول، فانضمّ الحوثيون إلى المعركة من بوابة استهداف البواخر والسفن التي تقصد الموانئ الإسرائيلية، أياً كانت هوياتها ولأي دول انتمت. فتلاحقت العمليات التي استهدفت بعضاً منها سفناً حربية أميركية متمركزة في المنطقة وأخرى بريطانية كانت تعبر البحر الأحمر، قبل أن توسّع من نطاق استهدافها للمطارات الإسرائيلية بما فيها مطار “بن غوريون” ومدن أخرى وميناء أشدود ومدينة حيفا، قبل أن توسع من نطاق استخدام صواريخها البعيدة المدى والطائرات المسيّرة بهدف “نصرة فلسطين” إلى أن تتوقف المجازر بحقهم.

لم تقف الأمور عند هذه الحدود، فإلى الحرب توسعت دائرة الاعتداءات الإسرائيلية في اتجاه إيران على مرحلتين الاولى في خريف العام 2024، عندما استهدفت منشآت كهربائية ونفطية، واستجدت العمليات في 12 حزيران، حيث استهدفت إلى جانب عدد من المفاعلات النووية، الخبراء النوويين الكبار في منازلهم وعدداً كبيراً من قادة الحرس الثوري الإيراني وضباطاً من رئاسة الأركان وموانئ إيرانية حيث مخزون إيران من المشتقات النفطية، بطريقة غير مسبوقة، ومعهم مستشار الإمام الخامنئي، قبل أن تستدرج تل أبيب واشنطن إلى الحرب، فقصفت طائراتها التي قطعت آلاف الأميال من الولايات المتحدة مفاعل “فوردو” النووي ومنشآت أخرى، مما شكّل حسماً للحرب التي لم توفّر المدن الإسرائيلية في عمقها السكاني والمنشآت الحيوية من مراكز العلوم الطبية والفكرية والسياسية، والتي قادت إلى وقف لإطلاق النار في 23 حزيران بعد حرب امتدت لـ 12 يوماً، من دون أن يثبت حتى اليوم حجم الدمار الذي لحق بالمنشآت الإيرانية المستهدفة، كما في الداخل الإسرائيلي الذي بقي بعيداً من أي صورة أو فيلم يُظهر حجم الدمار فيها بمختلف انواعها.

وتزامناً مع مسلسل الحروب هذه، سقطت كل المبادرات العربية والغربية والأميركية، وتراجعت الثقة بالدور الأميركي بعد قصف إسرائيل وفد “حماس” المفاوض في الدوحة، مما اضطر الرئيس الأميركي على ما يبدو إلى الضرب مجدداً، وبعيون متوازنة “حماس” ونتنياهو معاً. وإلى فرض الاعتذار الإسرائيلي على نتنياهو من القيادة القطرية، بعد أن جمع قادة دول الخليج والعالم الإسلامي على صيغة توافقية وزّع فيها المكاسب على جميع الأطراف بطريقة استدعت تأييداً كاملاً من الخصوم والحلفاء. ولم يوفّر ملاحظات وضعت نتنياهو في الزاوية الضيّقة إلى أن اطلق خطته بنقاطها الـ21، قبل أيام قليلة على الذكرى الثانية للحرب، مؤكّداً انّها انتهت، وأنّ ما يجري مناوشات لا بدّ منها قبل ساعة الصفر التي يمكن أن تحددها مفاوضات شرم الشيخ التي جرت ليل أمس بين طرفي النزاع برعاية مصرية واميركية مباشرة ومشاركة مراقبين قطريين ومن دول مختلفة، بذلت جهداً لإنجاح المبادرة وإقفال فصول أطول الحروب في المنطقة.

وقياساً على ما تقدّم، وفي انتظار ما ستنتهي اليه محادثات شرم الشيخ التي يتوقع منها الأميركيون خطوات إيجابية ونهائية، تبقى الإشارة ضرورية إلى انّ ما جرى ينبئ بصيغة حل في انتظار معرفة كيف يستفيد منها لبنان. وبمعزل عن مضمون بيان “حزب الله” المؤيّد لـ”حماس” في خطوة قبولها المبادرة الأميركية الأخيرة، بفارق نقطة واحدة ارتفع بسببها منسوب القلق لديه. وهي تكمن في خطوة تسليم “حماس” سلاحها، وترك كل مواقع السلطة في القطاع لصالح هيئة عربية ودولية مركبة، مخافة أن تتحول “بروفا” لما هو منتظر في لبنان، على أمل أن تبقى التجربة الغزاوية بوجهها العسكري بعيدة من الأراضي اللبنانية.