الحكومة اللبنانية تَجاوَزَتْ «قطوع الروشة» في جلسةٍ حاصرتْها «العواصف»

الحكومة اللبنانية تَجاوَزَتْ «قطوع الروشة» في جلسةٍ حاصرتْها «العواصف»

المصدر: الراي الكويتية
7 تشرين الأول 2025
– مجلس الوزراء علّق عمل جمعية محسوبة على «حزب الله» بانتظار انتهاء التحقيقات في «إضاءة الروشة»

تَجاوزَ مجلسُ الوزراء اللبناني اليوم، قطوعاً كان من شأنه أن يَنقل إليه «الرياح الهوجاء» السياسية التي لم تهدأ منذ أن دَهَمَتْ البلادَ «عاصفةُ الروشة» التي تَكَسَّرتْ معها هيبةُ الدولةِ بإضاءة «حزب الله» الصخرة بصورتيْ السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين من فوق تعميم رئيس الحكومة نواف سلام بمنْع إنارتها وتعميم محافظ بيروت الذي مَنَحَ إذن إقامة الفاعلية تحت هذا السقف.

وانعقدتْ الجلسةُ بعدما كان رئيسُ الحكومة تفادى دعوةَ مجلس الوزراء إلى الاجتماع الأسبوع الماضي، على وقع «تَوَهُّجِ» أزمةِ الصخرة وتَسَبُّبها بتظهيرِ تشَقُّقاتٍ في علاقته برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون انطوتْ على محاولاتٍ ضمنيةٍ لترسيم «حدود» الإمِرة في الملف الأمني في البلاد، وخصوصاً بعد امتعاضِ سلام من أداء القوى العسكرية والأمنية قبالة الروشة وإشادة «حزب الله» بمساهمتها في إنجاح «فاعلية الإضاءة».

ونَجَحَتْ الاتصالات السياسية التي سَبَقَتْ الجلسةُ في توفير «ممرّ آمِن» يشكّل عازلاً، أقله مرحلياً، حول مَجلس الوزراء يحول دون انتقالِ تَشظياتِ «ليّ الأذرع» المتعدّد الاتجاه «فوق الصخرة» إلى السلطة التنفيذية بما يحجب «الملف الأمّ» المتمثّل في سحب سلاح «حزب الله» ومتابعة مَساره التنفيذي، وذلك عبر الموازنة بين إبقاء هذا العنوان أولويةَ الأولويات في ضوء العينِ الدولية اللصيقة عليه، وبين تَثبيتِ عملية ترميم الدولة لصورتها ومكانَتها التي تَشَظّتْ أمام الروشة.

وتجلّى هذا الأمر بوضوح من خلال مجريات الجلسة ومآلاتها، كالآتي:

– الإبقاء على المسار الذي أرساه سلام منذ 25 سبتمبر والذي يقوم على معادلة أن يتولى القضاءُ «مساءلةَ» مَن خالَفوا تعميمَه والإذن الذي مُنح من محافظ بيروت، رافعاً شعار «درء الفتنة لا يمكن أن يتمّ على حساب تطبيق القانون (…) ولا دولة واحدة إلا بقانونٍ واحد يُطبَّق بالتساوي على الجميع»، وصولاً لطلبِ وزارة الداخلية حلّ جمعية «رسالات» (المحسوبة على حزب الله) وسَحْب العلم والخبر العائد لها «لمخالفتها كتاب المحافظ والقوانين التي ترعى الأملاك العمومية والتعدي عليها»، هي التي كانت تقدّمت بطلب إقامة الفاعلية.

ورغم أن سلام استجابَ في الشكل لتمنياتٍ بأن يتم تأخير بند «رسالات» وقبله بند «عرض وزير العدل للإجراءات التي اتخذتْها النيابة العامة التمييزية والمتعلّقة بالتجمع في منطقة الروشة» إلى نهاية الجلسة، فإنّ جوهرَ المَخْرَجِ الذي قام على عدم سحْب رخصة الجمعية فوراً بل «تعليق» عملها بانتظارِ استكمال التحقيقات في إضاءة الصخرة حَمَلَ «نصف فوزٍ» لرئيسِ الحكومة ونصف «خسارة» لحزب الله الذي اعترض وزيره ركان ناصر الدين على القرار، وكان نواب منه حذّروا من أيّ إجراءٍ بسحْب العلم والخبر باعتبار أنه ستكون له تداعيات سياسية.

لا ملف «يعلو» فوق سحب السلاح

– تأكيد أن لا ملف «يعلو» فوق قضية سحب السلاح التي كانت محور التقرير الشهري الأول الذي قدّمه قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل لمجلس الوزراء حول المرحلة الأولى من خطته التي تشمل جنوب الليطاني (حتى نهاية ديسمبر) والتي تبنّاها مجلس الوزراء في 5 سبتمبر.

وأشارت تقارير إلى أن هيكل عرض أمام مجلس الوزراء وعبر شاشة كبيرة مراحل تنفيذ خطة حصر السلاح ولاسيما جنوب الليطاني وأنه تحدّث عن الخروق الإسرائيلية والمعوقات التي تواجه الجيش اللبناني من الجانب الإسرائيلي، اضافة إلى التعاون مع قوة «اليونيفيل».

وتم التعاطي مع عرض التقرير في حضور وزراء الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على أنه «موافَقة ضمنية واضطرارية»، وإن شكلية، على الخطّة وما يقوم به الجيش اللبناني، وذلك بعد مسارٍ اعتراضي بالصوت العالي على قرار سَحْبِ السلاح «في أصله» منذ إصداره في 5 أغسطس كما على خطة الجيش، وهو ما اعتُبر امتداداً لمناخٍ مدروس يتعمّد الإشادة بالمؤسسة العسكرية، من حزب الله من بوابة حديثه عن محاولة أميركية – إسرائيلية لجرّ الجيش إلى صدام مع «المقاومة»، كما من طهران نفسها على لسان أكثر من مسؤول فيها.

وبدا أن «حزب الله» تَقَصَّد أن يَضَعَ «تكيُّفه» مع مقتضياتِ تثبيت مَسارِ سحب السلاح في إطار ملاقاةِ رئيس الجمهورية وكيفية إدارته لملف صخرة الروشة وأخواته ورغبته في تبريد المناخات، إذ زار وزير الصحة ركان ناصر الدين قصر بعبدا قبل الجلسة وبحث مع عون في شؤون ذات صلة بوزارته إلى جانب اجتماع مجلس الوزراء، مع تسريباتٍ عن أن اللقاء كان إيجابياً وسينسحب على مجريات الجلسة.

اعتداءات إسرائيلية

وبدت جلسة مجلس الوزراء «على موجة» أخرى مغايرة للأجواء المشحونة التي كانت تحوط بها، من جهتين:

– الأولى عسكرية مع توغُّل إسرائيل في اعتداءاتها أمس بما عمّق المَخاوف من شيء ما تحوكه للبنان، سواء أفضتْ خطة الرئيس دونالد ترامب حول غزة إلى انطلاق قطار وقف الحرب أم انفجر بها أحد «الألغام» الكامنة بين بنودها.

في الجنوب استهدفت مسيّرة إسرائيلية حسن عطوي وزوجته بصاروخين موجهين بينما كانا بسيارتهما على طريق زبدين -النبطية قبالة سنتر الصافي ما أدى إلى مقتلهما.

وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية إلى عطوي هو من مصابي تفجيرات البيجر (وقعت في 17 سبتمبر 2024) وفاقد النظر وزوجته زينب رسلان كانت تقود السيارة، وقد فقدا ولديهما مع بداية «حرب الإسناد» لغزة التي أطلقها «حزب الله».

في المقابل، ذكر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أن عطوي «كان عنصراً مركزياً في وحدة الدفاع الجوي لحزب الله وأشرف على عمليات إعادة إعمار وجهود تسلُّح في هذه الوحدة وكان مركز خبرة مهماً فيها بالإضافة إلى تورطه في العلاقة والاستيراد من قادة الوحدة في ايران».

ولم يمرّ وقت على هذا الاغتيال حتى شنت المقاتلات الإسرائيلية ثلاث غارات استهدفت مناطق جردية في البقاع الشمالي بأكثر من 6 صواريخ موجهة.

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف «معسكرات تابعة لوحدة قوة الرضوان والتي تم رصد في داخلها عناصر من حزب الله»، لافتاً إلى أن الحزب يستخدم هذه المعسكرات «لتدريبات وتأهيلات لعناصر منه وذلك لتخطيط وتنفيذ مخططات إرهابية ضد قوات جيش الدفاع ومواطني دولة إسرائيل».

– والجهة الثانية سياسية، حيث كان «حزب الله» يمعن في إطلاق المواقف التي تقطع الشك باليقين حيال أن تسليم سلاحه شمال الليطاني خارج البحث لا اليوم ولا غداً، رافعاً منسوبَ الاعتراض في الوقت نفسه على تعميم وزير العدل اللبناني عادل نصار إلى كتّاب العدل والذي قضى بمنْع كل مَن صدرت في حقه عقوبات دولية من أن يتعامل بأي عملية بيع أو شراء أو استئجار.

وفي هذا الإطار رأى نائب الحزب حسن فضل الله أنّه «لا يمكن للغالبية في الحكومة الحالية أن تتفرد بمعزل عن تفاهمها مع بقية المكوّنات، لأن هناك قوى مشاركة في الحكومة رأيها مُلْزِم انطلاقاً من كونها تمثّل فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ويندرج تمثيلها تحت عنوان الميثاقية المنصوص عليها حتى في الدستور».

وأشار إلى «أن المقاومة غير معنية ببند حصرية السلاح ولا بمناقشته وإذا كانت هناك من ميليشيات فليذهبوا ويحصروا سلاحها، أمّا المقاومة فهي خارج كل هذه التصنيفات التي يُراد لها أن تسود في هذه المرحلة، وستبقى مقاومة ولن يستطيع أحد المسّ بها وبخيارها ونهجها وبسلاحها، لأنه سلاح مشرّع في اتفاق الطائف وعلى مدى 35 سنة من البيانات الوزارية».

كما اعتبر مسؤول منطقة البقاع في «حزب الله» حسين النمر أن «الحديث عن تسليم السلاح هو تضييع للوقت، لأن قرارنا لا تسليم للسلاح، فالمقاومة والسلاح صنوان، لا مقاومة دون سلاح، السلاح هو عزنا وشرفنا ووسيلتنا لمقاومة عدونا والدفاع عن أرضنا وأهلنا، ولا يمكن لأحد في هذا العالم أن يأخذ سلاحنا».

وفي الوقت الذي اعتُبر تصعيدُ حزب الله سياسياً مرتبطاً بالسعي إلى وضع «خطوط حمر» مبكّرة، برسم الداخل والخارج، بوجه الاقتناع السائد بأن مَسار غزة «نموذجٌ» لِما سيكون في لبنان وتحديداً تجاه الحزب، سواء انفرج الواقع في القطاع أم كان «الانفجارُ الأخير»، لم يقلّ دلالةً أن جمعيةَ «رسالات» أقامتْ «فعالية تضامنية» معها في الضاحية الجنوبية بالتزامن مع انعقادِ جلسةِ مجلس الوزراء.

وأعلنت الجمعية في امتداد لموقف سابِقٍ من الحزب كان حذّر من سحب الترخيص منها معتبراً أن الحكومة «ستبلّه وتشرب ماءه»: «سنتابع الموضوع القانوني حتى النهاية، ونشاطنا مستمر ونحن بصدد الإعلان عن عدد من الفعاليات المهمة بأسرع وقتٍ. لا نريد أن نستفزّ أو نتحدّى أحداً في أي نشاط أو مشروع ولسنا من أخذ نشاط الروشة إلى منحى سياسي».

في موازاة ذلك، أعلن النائب علي فياض غامزاً من قناة تعميم وزير العدل لكتّاب العدل أنه «بات من الواضح أن بعض ‏السلطة يمارس سياسة حقن الساحة الداخلية بكل عناصر التوتير والاستفزاز عمداً بهدف عزل بيئة اجتماعية بأكملها».

ورأى أن «بعض المسؤولين يتصرفون وكأنهم ملَكيون أكثر من الملك في حجم الارتهان للخارج ويذهبون ‏بعيداً أكثر مما يستوجب أي ضرورات قانونية»، معتبراً أن «هذه التوجهات إذا مضت في مسارها الإجرائي القانوني ستؤدي إلى تحويل قسم كبير من ‏اللبنانيين إلى طائفة منبوذين لا حقوق لهم ولا مستقبل، إذ يكفي أن يصنف الأميركيون أي مواطن ظلماً وتعسفاً على ‏لوائحهم حتى تبادر السلطات اللبنانية إلى إعدامه حقوقياً واقتصادياً، فيُحرم حق التملك أو العمل أو حتى ‏السعي للرزق بصورة قانونية»، لافتا إلى أن «هذا السلوك يمثل ممارسة عدوانية بخلفية سياسية تهدد بتداعيات ‏سياسية واجتماعية خطيرة».

وختم مشدداً على أن «سلوك بعض من في السلطة بات يثير القلق والغضب على أعلى المستويات».