“الشتاء جايي”… فاستعدّوا للغرق بالنفايات لا بالأمطار!

“الشتاء جايي”… فاستعدّوا للغرق بالنفايات لا بالأمطار!

الكاتب: جاد حكيم | المصدر: لبنان٢٤
7 تشرين الأول 2025

كأنّ اللبنانيين على موعد سنوي مع الكارثة نفسها.. ها قد لاحت أول “شتوة” لهذا الموسم، وإذا بالطرق تغرق كأنّها لم تعرف يومًا معنى الصيانة، وكأنّ دروس الأعوام الماضية كانت مجرد مشاهد موسمية للفرجة. فمن بحمدون إلى ضهر البيدر، أول الغيث كان طوفانًا صغيرًا يكشف حجم الإهمال الكبير، ويُنذر بما ينتظر البلاد في الأسابيع المقبلة: شتاء محمّل بالسيول، ومجاري مسدودة، ونفايات طافية على وجه الماء.

في جلسة الحكومة الأخيرة، دعا رئيس الجمهورية جوزاف عون الوزارات المعنية إلى التحرّك فورًا لمنع تكرار مشاهد الغرق الشتوية.

لكن، وكما جرت العادة، تبقى الدعوات في إطار الكلام الجميل، فيما الواقع في الشارع أكثر فوضوية من أي وقت مضى.

البلديات تشتكي من غياب التمويل، الوزارات تتقاذف المسؤوليات، ومجاري الصرف تنتظر “القدَر” كي يُعيد فتحها… أو يُغرقها أكثر.

مطمر الجديدة يختنق، وأكوام القمامة بدأت تعود تدريجيًا إلى الطرقات، ما يعني أنّ المجاري المائية ستتحوّل قريبًا إلى مستوعبات ضخمة للنفايات. وعندما تهطل الأمطار بغزارتها المعتادة، سنرى المشهد نفسه: شوارع تحوّلت إلى أنهار، سيارات محتجزة، محال غارقة، وروائح عابقة لا تفرّق بين نفايات صلبة ومياه آسنة.

فهل يُعقل أن يتحوّل المطر، الذي هو رمز الحياة، إلى كابوس سنوي في بلدٍ يفاخر بتاريخه وطقسه المتوسطي؟

المؤلم أنّ لا خطة متكاملة لإدارة مياه الأمطار ولا رؤية لمعالجة أزمة النفايات، ولعل مشاهد التنظيفات الحديثة خير دليل على ذلك، إذ على الرغم من تحذيرات وزير الداخلية أحمد الحجار، وطلبه العاجل باستدراك الوضع قبل وصول الشتاء، فان كل ما يحصل هو تنظيف متأخر لمجارٍ مسدودة منذ العام الماضي، وكأنّ الشتاء يأتي دائمًا “على غفلة”.

لا أجهزة رقابية تحاسب، ولا لجان تحقيق تتابع، ولا خطة وطنية واحدة تُطبّق بشكل فعلي.

حتى الآن، يبدو أن المسؤولين ينتظرون المطر ليكتشفوا أن المجاري بحاجة إلى تنظيف! وفي هذا السياق حاول “لبنان24” التواصل مع وزيرة البيئة تمارا الزين إلا أنّ الاتصال قوبل بالاقفال من قبل الوزيرة اكثر من مرة من دون أن نحصل على أي توضيح منها، خاصة مع تفاقم أزمة النفايات يوما بعد آخر.والمعروف عن الوزيرة نشاطها الوزاري والاعلامي ايضا.

اللبناني، الذي اعتاد على انقطاع الكهرباء والمياه، يضيف إلى لائحة “المعتادات” الغرق في الشوارع.

في كل عام تتكرر المأساة نفسها.. الناس عالقة داخل سياراتها، الأطفال لا يصلون إلى مدارسهم، والطرقات تتحول إلى مشاهد من فيلم كوارث طبيعي.

لكن في الحقيقة، الكارثة ليست طبيعية أبدًا، بل صناعة بشرية مئة في المئة، ناتجة عن الإهمال واللامسؤولية والفساد الإداري المتراكم، بالاضافة إلى مسؤولية بعض المواطنين غبر المسؤولين الذين يساهمون بتفاقم الأزمة من خلال الرمي العشوائي للنفايات من سياراتهم.

“الشتاء جايي… والمجاري مليانة نفايات”، والمطامر على وشك الانفجار، والطرقات تنتظر أول خيط مطر لتتحول إلى مستنقعات.

ومع غياب الدولة، لا يبقى أمام اللبناني إلا احد حلين: إما أن يشتري زوارق مطاطية بدل السيارات، وإما أن يعلّق على سيارته لافتة تقول: “أنا مواطن لبناني… أغرق سنويًا من دون تعويض”.