خاص- ماذا يُخطَّط للبنان بعد غزّة؟

خاص- ماذا يُخطَّط للبنان بعد غزّة؟

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
7 تشرين الأول 2025

فيما يبدو أنّ حرب غزّة شارفت على نهايتها، إذا ما نُفّذت الخطّة الأميركية بحذافيرها طبعاً، والتي تعني عمليّاً الاستسلام للشروط الإسرائيلية، تتّجه الأنظار إلى لبنان، على أساس أنّه محور الاهتمام الثاني لبنيامين نتنياهو بعد القطاع. وكما توصّل رئيس الوزراء الإسرائيلي عبر الاتّفاق إلى إنهاء “حماس” عمليّاً، يريد في الوقت عينه إنهاء سلاح “حزب الله” وتأمين خاصرته من جنوب لبنان.

والسؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل سيوجّه نتنياهو الآن هجماته إلى لبنان لاستكمال ضرب “الحزب” وبنيته، وإجباره على تسليم سلاحه، كما حصل مع الحركة، أم سيستمرّ في حرب الاستنزاف الجارية إلى أمدٍ غير محدّد؟

المفارقة العجيبة في موقف الأمين العام لـ “الحزب” نعيم قاسم الأخير، هي تبريره عدم الردّ على ضربات إسرائيل، معتبراً أنّ ذلك أفشل المخطّطات الإسرائيلية في لبنان. وهذا يعني أنّ الردّ السابق في ما سُمّي “حرب الإسناد” هو الذي أنجح المخطّط الإسرائيلي، الذي دمّر الجنوب وأضعف البنية العسكرية للحزب إلى حدودٍ دنيا. وهذا يعني أيضاً أنّ السبيل لردع العدوان هو البقاء على الحياد. وهنا يُطرح السؤال: هل فهم “الحزب” أنّ السلاح لم يعد يجدي نفعاً؟ وهل يعني كلامه استعداداً لتسليم السلاح، أو هو مجرّد تبرير لعدم القدرة على الردّ؟

إنّه في الواقع إعلان العجز عن المواجهة. وربّما يكون أيضاً رسالة إلى أنّ “الحزب” يمكنه أن يلتزم بعدم تهديد إسرائيل، كما فعل لسنوات سابقاً، حيث ظلّت الحدود الجنوبية هادئة تماماً لفترة طويلة. ولكن واقع الأمر يدلّ إلى ضياع لدى القيادة وعدم وجود تصوّر لديها للخروج من المأزق، سوى رفع الصوت والتهديدات في اتّجاه الداخل رفضاً لسحب السلاح، والعودة إلى سياسية التخوين والاستفزاز.

ولكن كلّ هذه المناورات لا تقدّم ولا تؤخّر في القرار الإسرائيلي. وكانت معلومات سرت في الأسبوعين الماضيين عن أنّ تلّ أبيب ستحوّل تركيزها العسكري صوب لبنان، بعد الانتهاء من حرب غزّة. وتناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أجواء عن استعدادات للعودة إلى الحرب في لبنان، من أجل تجريد “الحزب” من سلاحه، لأنّ الحكومة اللبنانية لا يمكنها القيام بذلك، كما يتبيّن من الوقائع. وأتى استفزاز الحزب لقرار رئيس الحكومة بعدم رفع الصور على صخرة الروشة كتأكيد على عجز الحكومة عن حصر السلاح، في الوقت الذي لا يمكنها أن تفرض على الحزب تطبيق قرارها المتعلّق باحتفال الروشة.

وما يزيد من احتمال تجدّد الحرب، أنّ واشنطن مستعدّة لإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر، بعد استنفاد كلّ المحاولات التي قام بها الموفدون الأميركيون، دفعاً للبنان والجيش في اتّجاه تنفيذ قرار حصريّة السلاح ضمن مهلة زمنية محدّدة. وهناك احتمال لأن يتجدّد سيناريو غزّة في لبنان.

وفي المقابل، هناك قراءات أخرى تقول إنّ إسرائيل مرتاحة إلى وضعها الحالي إزاء لبنان. فالجنوب القريب من الحدود خالٍ من السكّان، وبنية “الحزب” التحتية فيه قد شُلّت في شكل كامل تقريباً. وتواصل إسرائيل شنّ الغارات على الأهداف التي ترى أنّها قد تشكّل خطراً عليها، أو حيث يحاول “الحزب” إعادة بناء  قدراته، كما تستمرّ في عمليّات اغتيال القادة العسكريين والعناصر، بما يضمن لها إلى وقت طويل عدم استعادة “الحزب” لعافيته. وبهذه الطريقة، تظل قوّاتها في الجنوب محتلّة للنقاط التي دخلتها إبّان الحرب الأخيرة، ولا شيء يجبرها على الانسحاب منها.

هذا الخيار يعني أيضاً بقاء لبنان في حالة المراوحة، وعدم قدرة الدولة على النهوض. وهذا الواقع يخدم المصلحة الإسرائيلية في تعميم حالة الفوضى وإبقاء الصراعات قابلة للاشتعال. وبذلك يمكنها استغلال أيّ فرصة لتوسيع وجودها في الجنوب مثلاً، أو لتشجيع محاولات قيام دويلات أو فدراليّات في المنطقة، ومن ضمنها لبنان. وهذا يتحقّق بكلفة زهيدة، من دون الاضطرار إلى تكبّد عناء حرب واسعة باهظة الثمن عسكرياً وماديّاً.

هل يفهم “حزب الله” أنّ مرحلة جديدة بدأت بعد اتّفاق غزّة، إن تمّ تنفيذه فعلاً؟ وأنّ عليه أن يحدّد استراتيجية جديدة أيضاً تتلاءم مع الواقع المستجدّ؟

تقول مصادر إنّ لدى “الحزب” خطّة واحدة، وهي “الصبر” والقبول بالأمر الواقع، والحفاظ على وجوده وسلاحه، ولو بالحدّ الأدنى، في انتظار لحظة ربّما تتغيّر فيها المعطيات والموازين. ولكن المراهنة على هذا الخيار الوحيد غير مضمونة النتائج، كما أنّها تحرم لبنان من فرصة أن يصير دولة حقيقية.