
إعادة 95 % من الودائع في سنتين؟
اعتبر د. غاربيس إيراديان، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي في حديث لـ “نداء الوطن” أن لبنان يمرّ بمنعطف حرج، إلا أن البلد يمتلك الأدوات والقدرات البشرية وحسن النيّة الدولية للتغلّب على الأزمة المالية وإعادة بناء الثقة بمؤسساته. لذلك، أعدّ خطة خمسية معجّلة لتسوية الودائع، حيث يعتقد أنه في حال تطبيقها ضمن إطار إصلاحي موثوق يدعمه صندوق النقد الدولي، ستُشكّل أساسًا للتعافي، واستعادة الثقة، واستقرار العملة، وإعادة تنشيط الاستثمار الخاص. مؤكدًا أنه من خلال الالتزام السياسي والتنفيذ الشفاف، يمكن للبنان أن يستعيد تدريجيًا مصداقيته المالية التي كان يتمتّع بها سابقًا، وأن يُرسي أسس نمو شامل ومستدام.
– ما هو تقييمك للاستراتيجية الرسمية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وخطة تسوية الودائع، ولماذا قد لا تكون كافية لاستعادة الثقة؟
تُعدّ خطة المصرف المركزي خطوةً مهمةً تُعطي الأولوية لصغار المودعين، وتعكس نهجًا حذرًا في توزيع الخسائر. يُعطي الإطار المطروح، الأولوية لصغار المودعين، في موازاة معالجة الحسابات الكبيرة تدريجيًا من خلال أدوات طويلة الأجل، مراهنًا على حلّ البنوك وتطبيق الإصلاحات. بينما تُركّز الاستراتيجية على التسلسل وإصلاح الميزانية العمومية، فإنّ الوضوح في التوقيت والوسائل سيكون حاسمًا لاستعادة الثقة. وقد أكّد صندوق النقد الدولي أنّ الإصلاحات المالية والحكومية الموثوقة ضروريةٌ لاستكمال هذه الخطط. مع الأسف، لا تزال بعض الأوساط السياسية والتجارية متردّدة في تقديم الدعم الكامل لبرنامج إصلاح شامل يدعمه صندوق النقد الدولي، لأنه سيُحقق مزيدًا من الشفافية والمساءلة. إنّ التغلّب على هذه المقاومة من خلال الحوار والتوافق الوطني أمرٌ حيويٌّ لانتعاش لبنان المالي والاقتصادي.
إعادة 95 % من الودائع في سنتين
– بناءً على دراستكم غير المنشورة، ما هي الخطة المقترحة لتسوية جميع الودائع على مدى خمس سنوات؟
تحدّد خطتي الخمسية استراتيجية واقعية وتطلّعية لتسوية 80 مليار دولار (باستثناء الودائع الجديدة fresh) من الودائع المصرفية القديمة بحلول العام 2030. الهدف هو استعادة السيولة وإعادة بناء الثقة من دون تأجيج التضخم أو استنزاف الاحتياطيات. تبدأ الخطة ببيع 12 مليار دولار من الذهب، في موازاة استثمار 16 مليار دولار منه كضمان لتحقيق عائد سنوي بنسبة 5 %. علماً أنه حتّى بعد بيع جزء من الذهب، سيحافظ لبنان على أعلى نسبة ذهب إلى الناتج المحلي الإجمالي عالميًا، مما سيحافظ أيضًا على مصداقية ميزانيته العمومية.
سيتأمّن تمويل إضافي من خلال استرداد الودائع التي تمّ تحويلها إلى الخارج ومن عائدات الخصخصة، حيث يُساهم كلّ منهما بما يتراوح بين مليار وملياري دولار سنويًا. سيتم سداد جزء كبير من الودائع بالليرة اللبنانية الجديدة (NLBP)، بحيث ستعادل كلّ ليرة لبنانية جديدة 100,000 ليرة لبنانية قديمة(LBP)، بمدفوعات سنوية إجمالية تبلغ 6 مليارات دولار. وستُدعّم هذه المدفوعات بتدفقات أقوى من النقد الأجنبي، مدفوعةً بمبيعات الأصول، وارتفاع الفوائض المالية، والتمويل الميسّر، وانتعاش السياحة والاستثمارات الخليجية في سياق برنامج شامل.
كما أن سندات اليوروبوندز للمغتربين، التي ستكون قيمتها حوالى مليار دولار في العام 2026، من شأنها دعم المدخرات الوطنية وتعزيز الثقة الخارجية.
وكما هو ظاهر في الجدول المرفق، يُمكن تسوية كامل قيمة الودائع الصغيرة والمتوسطة (أقل من 300,000 دولار أميركي)، والتي تُمثل 95 % من الحسابات، خلال العامين الأولين، بدعم من عائدات الذهب ومدفوعات الليرة اللبنانية الجديدة.
جدير بالذكر أن هذه الخطة يجب أن تكون جزءًا من أجندة إصلاح أوسع نطاقًا، ويفضل أن تكون بدعم من صندوق النقد الدولي. ويشمل ذلك إصلاح العملة، والانضباط المالي، وإعادة هيكلة القطاع المالي، وإصلاحات الحوكمة، وتوحيد سعر الصرف. ومع التنفيذ الموثوق، يمكن أن تبدأ عملية استرداد الودائع في غضون بضع سنوات، مما يجعل هذه الخطة حجر الزاوية في التجديد المالي للبنان.
لماذا الذهب؟
– لماذا تُركّز خطتكم على بيع واستثمار الذهب في حين يُنظر إلى احتياطيات الذهب في لبنان غالبًا على أنها ثروة وطنية لا تُمسّ؟
يُعدّ ذهب لبنان ثروة وطنية مُخصّصة لخدمة شعبه في أوقات الأزمات. تُقدّر القيمة السوقية لاحتياطيات الذهب، اعتبارًا من 7 تشرين الأول، بـ 37 مليار دولار. يُعدّ بيع 12 مليار دولار فقط، بالإضافة إلى 14 مليار دولار مُستثمرة كضمانات، قرارًا حكيمًا، ويُبقي لبنان صاحب أعلى نسبة ذهب إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم. الهدف ليس استنزاف هذا الذهب، بل الاستخدام المسؤول لتعزيز الاستقرار المالي واستعادة الثقة.
بيع أصول حكومية
– تتضمن خطتكم بيع أصول بقيمة 8 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، ما مدى واقعية هذا الهدف؟
يمكن تحقيق بيع أصول حكومية بقيمة إجمالية تصل إلى 8 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، سواءً من خلال الخصخصة الجزئية أو منح امتيازات طويلة الأجل للشركات المملوكة للدولة. يبقى افتراضي متحفّظًا، إذ إن محفظة الأصول العامة في لبنان، بما في ذلك الاتصالات والعقارات والموانئ والبنية التحتية للكهرباء، يمكن أن تدرّ عائدات أكبر بكثير في ظلّ مناقصات شفافة وإدارة القطاع الخاص. وإلى جانب الإيرادات، ستُحسّن هذه الخطوة الكفاءة وجودة الخدمات والشفافية المالية.
– ما هو الفارق بين خطتكم وخطة البنك المركزي لعشر سنوات؟
يكمن الاختلاف الرئيسي في التوقيت والهيكل والتكامل مع الإصلاحات. خطة البنك المركزي تدريجية، وتتضمن تحويل أكثر من 30 مليار دولار من الودائع إلى سندات. أما خطتي المُعجّلة، فتُقلّص الجدول الزمني إلى خمس سنوات، وتتماشى مع الإصلاحات المالية والحوكمة التي يدعمها صندوق النقد الدولي، وتُعيد الثقة من خلال تقدم مطرد وملموس.
– إلى جانب تسوية الودائع، كيف ستُحدث هذه الخطة تحوّلاً في الاقتصاد اللبناني الأوسع؟
لا تقتصر الخطة على السداد فحسب، بل تُعدّ أيضًا حافزًا للتجديد الاقتصادي. وإذا ما نُفذت بالتزامن مع إصلاحات شاملة، فمن شأنها تحسين الإدارة المالية، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز الصادرات والسياحة، ورفع الاحتياطيات الرسمية إلى حوالى 30 مليار دولار بحلول عام 2030. كما أنها تُرسي أسس النمو المستدام، والاستثمار، وخلق فرص العمل.