
لا ضرورة لتكون في بيروت: أورتاغوس على الخط!؟
في انتظار ما ستنتهي إليه مفاوضات القاهرة يمكن أن نفهم أسباب تعليق اورتاغوس لمهمتها السياسية في لبنان واحتفاظها بالعسكرية منها. وعليه طرح السؤال هل ان ما يجري في القاهرة يقف عند حدود غزة فحسب.
تعترف مراجع ديبلوماسية، أنّ لا حاجة لرصد حركة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس لمتابعة ما يجري في لبنان. فالتقارير ترِدها على مدار الساعة، وإن لم يتصل أي من المسؤولين بها، ومنها تقارير اللجنة الخماسية (الميكانيزم)، المكلّفة تنفيذ تفاهم 27 ت2 الماضي، وما تلاه من اتفاقيات، بما فيها تلك التي تلت تكليف قيادة الجيش وضع خطتها لـ “حصر السلاح”. ولذلك، لا داعي لوجودها في لبنان لمعالجة أي شكوى. لكن كيف يتمّ ذلك؟
منذ التفاهم على وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني الماضي، تلاحقت التفاهمات المختلفة المتفرّعة منها، أو تلك التي استجدّت عقب التغييرات التي طرأت على مهماتها، وما رافق التمديد الأخير لقوات “اليونيفيل” وصولاً إلى القرارات الأخيرة التي رافقت إطلاع الخماسية على خطة الجيش المتعلقة بمنطقة جنوب الليطاني وبقية المناطق اللبنانية، الموضوعة تحت وصاية اللجنة وفريق عملها. وهي مهمّات يُضاف إليها التحقيق بمجموعة الشكاوى والملاحظات اللبنانية والإسرائيلية الأخيرة، والتي أُخذ ببعض اللبنانية منها، ولم تتخذ اللجنة أي إجراء بعد للجم إسرائيل لوقف خروقاتها المرتبطة على الأقل بالاغتيالات والغارات التي تستهدف مناطق جنوبية بعد الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل أن تتوسع في الفترة الأخيرة في اتجاه البقاع ومناطق مختلفة من لبنان.
ولدى البحث في هذه المحطات، يجدر التوقف عند المواقف الإسرائيلية الجديدة التي تسلّمتها اللجنة العسكرية منذ اجتماعها الأول برئاسة قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال براد كوبر، الذي رافق أورتاغوس في مهمّتها الأولى بعد مغادرة الموفد توم برّاك مهمّته في لبنان، كمسؤولة عن عمل اللجنة، بمعزل عن مهمّاتها السياسية والديبلوماسية التي علّقتها قبل فترة، مفضّلةً الاهتمام بأعمال اللجنة العسكرية على مرحلتَين حتى اليوم. وجاءت هذه الترتيبات عشية اجتماعها الثالث في 15 الجاري، من دون أن تقوم بأي مهّمة أخرى. وهو ما شكّل دافعاً إلى فهم ما يُريده الأميركيّون من هذا الأداء المُحدّث، الذي جمّد البحث في نقاط عدة مختلفة وحصرها بالعسكرية، إلى أنّ قيل ربما حضرت بلباس عسكري لعدم ظهور أي صورة لحظة وجودها في لبنان، ولم تلتقِ أي مسؤول سياسي، مكتفيةً بالمناقشات مع الضباط الكبار في الجيش اللبناني المكلّفين مواكبة أعمال اللجنة العسكرية والعاملين على أرض الجنوب، وقد سبق لها أن ناقشت معهم كثيراً من التفاصيل الميدانية وحاجات الجيش لإتمام مهمّته في منطقة جنوب الليطاني، وتحديداً في طريقة التعاطي مع مراكز “حزب الله” والأسلحة المصادرة منها، سواء تلك التي يمكن الاحتفاظ بها أو تدميرها سيّان.
وعلى هامش النقاش في هذه القضايا وتفاصيلها، ثمة مَن تناول المطالبة الإسرائيلية، بالانتقال في المرحلة الثانية بعد جنوب الليطاني إلى مناطق البقاع، قبل المنطقة الواقعة بين مجريَي نهرَي الليطاني والأُولي كما كان قد تقرّر سابقاً، بحجة أنّ المنطقة تُشكّل خطراً أكبر في الفترة التي تلي التفاهم على وقف العمليات العدائية. فهي المنطقة التي تحوي مخازن كبرى محصّنة وأنفاقاً، ربما امتدّت بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى مواقع تجميع وتصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة، وهو أمر لم يكن محتسباً من قَبل لا عند الجيش اللبناني ولا عند أعضاء اللجنة العسكرية بأطرافها المختلفة.
ولكن عقب ذلك الطلب الإسرائيلي، لم يوافق لبنان على هذه الخطوة، لما لها من انعكاسات سلبية على عملية حصر السلاح وجدولتها بلا أفق ومواعيد محدّدة، في انتظار أن يلاقيها الجانب الإسرائيلي بخطوة إيجابية تساوي على الأقل ما قام به الجيش حتى الآن، وخصوصاً أنّه يشكو من صعوبة إنهاء مهمّته الجنوبية إن بقيَ الإحتلال قائماً في المراكز الحدودية المحتلة. ولذلك طلب الجيش مهلة إضافية للنظر في ما تحقق جنوباً، وأرفق طلبه بضرورة إجراء مسح ميداني للمنطقة للتثبّت من إتمام المهمّة وعدم إقفال ملفاتها، في ظل احتمال وجود أي ثغرة تُعيد فتح الجروح في المنطقة مجدّداً.
وإن كان الجانبَان الأميركي والإسرائيلي لم يقتنعا بالموقف اللبناني، مخافة أن تجري هذه الخطوة تعديلاً كبيراً على خطة “حصر السلاح” قبل نهاية السنة، فمردّ ذلك إلى القلق المشترك من أنّ اقتراحات الجيش تهدف إلى نَيل مهلة إضافية للتأخير في إنهاء المرحلة الأولى، تحت الضغط الذي مارسه “الثنائي الشيعي”، لمجرّد دمج ملاحظات وزراء حركة “أمل” و”حزب الله” عليها في الجلسة الحكومية التي كلّفت الجيش مهمّته الحالية. كما شكّل ذلك مبرّراً إضافياً قد يحول دون إنهاء المرحلة الأولى، وإبقائها رهن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الحدودية، وقد أيّد المندوب الفرنسي ومعه قائد “اليونيفيل” هذا الأمر، واعتبرا أنّ ما يقوم به الإسرائيليون في المنطقة المحتلة وسماء لبنان وبحره يُشكّل خرقاً لتفاهم 27 تشرين الماضي والقرار 1701، خصوصاً أنّ بعض اعتداءاتهم طاولت مراكز “اليونيفيل” بلا أي رادع، ولم يحل اعتذارهم عن سقوط ضحايا مدنيِّين، كمثل عائلة بنت جبيل، من دون تكرار العمليات العسكرية في مناطق سكنية آمنة بحجّة ملاحقة مسؤولي الحزب من دون ضمان عدم المَسّ بالمدنيِّين.
على هذه القواعد وملابساتها، ينظر المراقبون إلى مهمّة أورتاغوس وتحاشيها الدخول مع المسؤولين في مفاوضات تكميلية لما قد طُرح سابقاً، أو مناقشة أي خطوة جديدة، قبل أن تحسم الخطط الموضوعة لغزة. فمن هناك تبدأ “الخطة باء” للبنان. فإمّا أن يفهم اللبنانيّون ما هو مطلوب لسدّ ثغرة جديدة في مآزق المنطقة، أو تتكرّر “التجربة الغزاوية” في لبنان. وهي عملية لم تعُد نظرية. فكل التحضيرات الجارية في شرم الشيخ توحي بتفاهم كبير لا يعني غزة فحسب، إنما كل حروب المنطقة من لبنان إلى اليمن، بعد فلسطين.
على هذه الخلفيات يمكن فهم حجم الحضور الدولي والعربي في شرم الشيخ لمواكبة المفاوضات. وجاءت إشارة الرئيس المصري بإمكان دعوة الرئيس دونالد ترامب إلى توقيع الصفقة متى تمّ التوصّل إليها، لتزيد من حجم الرهان على ما يمكن التوصّل إليه من تفاهمات، لأنّ المجتمعِين هناك لا تقف مهماتهم عند قضية غزة فحسب، وهم المتورّطون في أزمات لبنان وسوريا، وربما تفتح الطريق إلى ما يمكن التوصّل إليه مع طهران. فلننتظر لنشهد ونرى.