من أوهام “حرب الإسناد” إلى أوهام حالة الإنكار!

من أوهام “حرب الإسناد” إلى أوهام حالة الإنكار!

الكاتب: علي حمادة | المصدر: النهار
9 تشرين الأول 2025

أمس صادف ذكرى مرور عامين على قيام “حزب الله” بشن ما اصطلح على تسميتها “حرب الإسناد” ضد إسرائيل، دعماً لحرب “طوفان الأقصى” التي كانت حركة “حماس” شنتها قبلها بيوم واحد. وإن كان لهجوم “حماس” على غلاف غزة أسبابه وجذوره المتصلة بالصراع الوجودي بين إسرائيل والفلسطينيين منذ ١٩٤٨، فإن “حرب الإسناد” التي بادر إليها “حزب الله ” في ٨ تشرين الأول لم تستند إلى أي أسباب أو مبررات لها جذور ذات طبيعة وجودية. لقد كانت حرب الحزب المذكور عبارة عن خطوة سياسية معنوية ليس أكثر. لكنها بسبب قصر نظر قيادة الحزب وربما تهوّر مرجعية “حزب الله” العليا في طهران تسببت هذه الحرب بتوريط الذراع الإيرانية بحرب انتهت بتدميرها في لحظة مفصلية شكلت من الناحية العملية انعطافة حاسمة في السياسة الأمنية الإسرائيلية، ونظرتها للمخاطر المتأتية من الجوار الأقرب، أي من لبنان. كيف؟ بكل بساطة كشف تورّط “حزب الله” بالحرب من دون مشاورة أيّ من القوى السياسية اللبنانية قدرته اللامحدودة على اتخاذ قرارات مصيرية من دون أن يجد من يقف بوجهه رفضاً لهذا النوع من السلوك الأمني والسياسي الخطر. فعندما أعلن الأمين العام للحزب السابق السيد حسن نصرالله عن بدء حربه ضد إسرائيل على الجبهة الشمالية التي أرادها محدودة، تجاوز الدولة اللبنانية ومؤسساتها، والقوى السياسية المتنوعة التي يتشكل منها النسيج السياسي والطائفي في لبنان. وبتجاوزه رأي بقية اللبنانيين كشف نصرالله عن حجم الضعف والاستسلام اللذين يعاني منهما المستوى السياسي الحاكم الذي لم يعترض على قرار “حزب الله”. والحقيقة تقال فقد أمّنت الحكومة الغطاء للحزب المذكور في حربه بتسهيل من رئاسة مجلس النواب التي كانت ممسكة بمفاصل المؤسسة الدستورية الأساسية في البلاد. ولذلك عملت الحكومة من خلال رئيسها آنذاك كوسيط بين “حزب الله” والمجتمع الدولي الذي هرع ليحذّر لبنان من مغبّة الخيار الذي اتخذه الحزب ومخاطره. أما مجلس النواب فبقي مقفلاً بقرار من رئيسه الذي أدّى دور المعطّل للعمل الرقابي الذي تقوم به عادة مجالس النواب، ولا سيما أن العديد من النواب كانوا قد طالبوا بعقد جلسة مناقشة في المجلس النيابي للحرب التي قام “حزب الله” بتوريط لبنان واللبنانيين فيها.

منذ اليوم الأول خرج عشرات لا بل مئات الأصوات ونحن منهم تطالب “حزب الله” بإيقاف مغامرته الخطيرة، وبتجنيب البلاد نتائج حرب كارثية كنا نراها حاصلة لا محالة. ويذكر اللبنانيون كيف اتُّهم أصحاب الرأي الحرّ والأصوات المنتقدة بالعمالة، والخيانة، والصهينة. لم يوفر “حزب الله” ومن يتحدثون باسمه من مدنيين ورجال دين في هجماتهم الإعلامية أحداً من الذين نبّهوا وحذروا من الخطر القادم.
المهم وبعد مرور عامين على هذا القرار المتهور يبدو أن أصحابه لم يتعلموا شيئاً مما أصابهم. والمشكلة أنهم لا يكتفون بالغرق في حالة إنكار مخيفة، بل يصرون على العيش أسرى لأوهام زرعها “حزب الله” وقادته في عقولهم على مدى عقود طويلة. وكما توقعنا منذ اللحظة الأولى لإعلان السيد حسن نصرالله قرار التورّط في الحرب، بأن كارثة محققة سوف تصيب الحزب المذكور وحاضنته وبشكل عام لبنان بأسره، فإن إصرار القيادة الجديدة على التمسك بسلاحها سيتسبب بكارثة أكبر!