
إن نالت غزة “يومها التالي”… متى دور لبنان؟
تأجيل روسيا للقمة الروسية – العربية – الاسلامية الى موعد غير محدد أوحى بوجود ظروف تحول دون مشاركة كبار القادة العرب ولا سيما من من القيادتين المصرية والسعودية. وعليه سئل ان كان قدوم ترامب الى المنطقة يكرس ضمانات اضافية لمراحل تلي وقف النار في غزة.
توحي التطورات التي تعيشها المنطقة بعد “تفاهمات شرم الشيخ”، أنّها باتت على قاب قوسين او أدنى من مرحلة جديدة بكل المواصفات الدولية والإقليمية الضامنة لتكون مستدامة. ذلك أنّ ما تمّ التوصل إليه يشكّل الخطوة الأولى على طريق الحل الشامل، وضمن شكل وهيكلية السلطة الجديدة التي ستدير القطاع للسنوات الخمس المقبلة، قبيل الانتقال إلى بقية المراحل، خصوصاً انّ من وضع التفاهم الجديد هم المعنيون ببقية القضايا. وعليه، ما سيكون نصيب لبنان منها؟
لا تقف مراجع ديبلوماسية وسياسية عند هذه العناوين عموماً، ولكنها تضيف لتؤكّد أنّ ما حصل لن يقف عند ما تحقق فحسب، وأنّ هناك خطوات ستليها تلقائياً، بطريقة تضمن وصول البحث إلى بقية الأزمات التي نشأت على هامش ما شهده قطاع غزة وجنوب لبنان منذ عملية “طوفان الأقصى” وحرب “الإلهاء والإسناد”، وما تلاهما من مسلسل الحروب التي تناسلت منهما على ساحات عدة تباعاً. وللتمييز في ما بينها، والمقصود منها تلك التي كانت من نتائجها المباشرة او غير المباشرة، ومعها تلك التي تقرّر إحياؤها من مراحل تاريخية سابقة، على وقع مجموعة الهزائم التي مُني بها “محور الممانعة” في أكثر من ساحة، وصولاً إلى المشهد الكبير الذي لفّ المنطقة الممتدة من شرق المتوسط حتى العمق المؤدي إلى إيران شرقاً وعمق الخليج العربي جنوباً وما بينهما على مختلف الساحات المحيطة بها.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، وما رافقها من أحداث مأسوية ودموية بما فيها من مفاجآت لم تكن محتسبة من قبل، فقد تلاحقت الأحداث بطريقة متدحرجة، منذ أن انطلقت الخطوة الأولى في قطاع غزة، وما أصاب لبنان في موازاتها، في اعتبارها ساحة تبنّت نظرية دعمها ومساندتها. وكل ذلك كان يجري بطريقة متدرجة منذ أن انطلقت شرارتها في اللحظات الأولى، بما فيها تلك التي نشأت بسببها او قادت إليها الانهيارات المتتالية في صفوف “محور الممانعة” الذي تفكّك منذ اللحظة الأولى، ولم تتحرك من مساحته الواسعة سوى الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وسط جمود مطلق على الساحة السورية وغياب العراقية في المرحلة الأولى، قبل ان تتحرك الجبهة اليمنية رغم بعدها عن مسرح الأحداث.
على هذه الخلفيات، تتوسع المراجع عينها في قراءتها للتطورات المتسارعة المدبّرة، على قاعدة ما يمكن أن تلقي بظلالها في وقت ليس ببعيد. فما ثبت في الساعات الماضية، وما تظهره التحضيرات الاستثنائية الجارية للاحتفالات الكبرى التي ستشهدها القدس والقاهرة بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إليهما مطلع الاسبوع المقبل، يشي بأنّ الامور تتطور بسرعة قياسية نحو بقية وجوه الأزمة وساحاتها، لتفتح الأضواء على مرحلة جديدة لا يصعب على المطلعين عليها تقدير ما هو منتظر من متغيّرات كبرى في تاريخ النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والعربي، وما يمكن أن تتخذه مستقبلاً من خطوات غير مسبوقة، رغم المدّ والجزر المتوقعين بفعل المفاجآت المنتظرة.
وانطلاقاً مما سبق وما هو متوقع من تطورات، تعترف المراجع الديبلوماسية بأنّه لن تمرّ فترة ايام قليلة حتى تتحرّك المفاوضات الجارية على أكثر من مستوى وجبهة، وهو ما أوحت به القيادة الروسية عند تأجيل موعد القمة الروسية ـ العربية والإسلامية المزمع عقدها الأربعاء المقبل في موسكو، بحجة أنّ هناك تطورات بالغة الدقّة والأهمية، لن تسمح لأكبر قادة الدول المدعوة اليها من الحضور إلى موسكو، ولا سيما منهم القيادتان السعودية والمصرية. فتركت موعدها المقبل رهن هذه التطورات وقضايا اخرى مختلفة، رأت القيادة الروسية أنّها رهن بعض التسويات التي تحتاجها لترتيب أوضاعها مجدداً مع بعض الدول المدعوة إليها، وملاقاتها بطريقة تؤدي إلى استيعابها، بما يضمن مصالح روسيا وحلفائها القلائل في المنطقة، بعد تراجعها عن الساحة السورية وانكفائها عن اخرى، بعدما اضطرت إلى تجميد بعض الخطوات التي كانت تستعد لها ولم تنجزها بَعد.
وإلى هذه التطورات الغامضة التي لا يمكن تقديرها من اليوم على الساحات المختلفة، فإنّ الساحة اللبنانية تبدو الأكثر تأثراً بما حصل في قطاع غزة. فهي على تماس مع العدو الإسرائيلي الذي يمكنه أن يتفرّغ لها بعد ترتيبات غزة، رغم الفصل بين الجبهتين عسكرياً وسياسياً وكل ما يتصل بجبهتها الداخلية، وهي تنتظر ما يمكن أن تصل اليه اللجنة العسكرية الخماسية ومعها الجيش اللبناني في ترتيب الوضع في لبنان، سواء في الداخل على مستوى حصر سلاح “حزب الله” وغيره من الأطراف المسلحة، بعد تفريغ مخيمات صور ومحيطها من بعض الأسلحة، واستكمال الترتيبات الجنوبية الجاري تنفيذها بالتنسيق مع قوات “اليونيفيل”، وإجراء مسح شامل للمنطقة للتثبت من خلوها من الأسلحة غير الشرعية، قبل تحديد المنطقة التالية التي ستُطبّق فيها المرحلة الثانية من عملية جمع السلاح وحصره بالقوى الشرعية، في ظل اقتراح إسرائيلي بتقديم منطقة البقاع على منطقة ما بين مجريي نهري الأولي والليطاني، في مسعى لربط الجهات اللبنانية، طالما انّ ما أُنجز حتى اليوم لم تلاقه إسرائيل بأي خطوة إيجابية.
وفي لبنان كان طبيعياً – تضيف المراجع – أن يدخل البلد مرحلة جديدة غير واضحة المعالم، في انتظار ما سيُنفّذ من تفاهمات منتجع شرم الشيخ، ليتفرّغ الذين طبخوها للوضع في لبنان. فالذين حضروا لقاءات المنتجع معنيون بأدق التفاصيل وبكل ما يتصل بالأوضاع الاقتصادية والنقدية بعد الأمنية والعسكرية. وهم ينتظرون ساعة الصفر لترجمة وعود تقود إلى مرحلة الانتعاش الاقتصادي والنقدي، كما الإنماء والاعمار، بأيديهم وعبر مؤسساتهم التي أنشأوها في لبنان بمعزل عن المؤسسات الرسمية اللبنانية التي افتقدوا الثقة بها منذ سنوات عدة، رافقت نشوء الأزمات الاجتماعية والبيئية وجريمة تفجير المرفأ بعد الأزمة النقدية وانهيار العملة الوطنية.
وفي ساعة الانتظار لما نحن مقبلون عليه، يمكن البحث في قضايا مختلفة، أبرزها ترميم العلاقات بين السلطات الدستورية، وطي ما نشأ من أزمات على هامش إضاءة صخرة الروشة، قبل ان تندلع المواجهة الجديدة بين عين التينة والسراي الحكومي على خلفية ما تخصّصه الحكومة لإعادة الإعمار.
ولا ترى المراجع قدرة على تقدير موعد وصول لبنان إلى اليوم التالي للحرب، في انتظار ولادة اليوم الخاص بغزة، وقد لا يكون بعيداً، إن انتهت زيارة ترامب إلى المنطقة بما هو منتظر منها من إنجازات. وما هي إلّا ايام قليلة وتنجلي الصورة بثبات ووضوح.