الاغتراب بين النقمة والانتقام مهما كلفت “السَّفرة”… قانون الانتخاب: موقف بري برسم العواصف

الاغتراب بين النقمة والانتقام مهما كلفت “السَّفرة”… قانون الانتخاب: موقف بري برسم العواصف

الكاتب: جومانا زغيب | المصدر: نداء الوطن
11 تشرين الأول 2025

يثير موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من تعديل قانون الانتخاب في ما خص اقتراع المنتشرين مزيجًا من الاستغراب والاستهجان، انطلاقًا من حسابات سياسية يعتبرها سياديون وتغييريون حسابات ضيقة وتصل أحيانا إلى الاعتبارات الشخصية.

ويقول هؤلاء إن رئيس المجلس يرى أن المسألة باتت تمس بموقعه في السلطة بعدما كان على مدى عقود عدة يحل ويربط ما لا يُحل ويُربط أحيانًا، فارضًا عرفًا جعله بنسبة أو بأخرى شريكًا في السلطة التنفيذية ضمنًا، بعد فترة أولى كان شريكًا مباشرًا فيها في عهد الترويكا الشهيرة، وإذ به اليوم يجد أن هناك معادلة جديدة تحاول جهات سياسية عدة فرضها، ومن ضمنها ضرورة عودة رئيس المجلس إلى دوره الدستوري المحدد، بعدما بدا أن العرف لمصلحته بات أقوى من الدستور والقانون.

في أي حال، ترى شخصية قيادية سيادية أن الرئيس بري بموقفه النافر من تعديل قانون الانتخاب، جعل نفسه عرضة للانتقاد الشديد، لدرجة أنه يحاول اختصار المجلس بشخصه عندما يقول: لن أُدخل أي تعديل على القانون الحالي، ولبنان لا يحتاج لا إلى قانون جديد ولا إلى تعديل القانون الراهن.

وتضيف الشخصية نفسها، وكان لها باع طويل في التشريع في دورات عدة: للأسف الرئيس بري يتصرف أحيانًا كثيرة كرئيس للنواب وليس كرئيس لمجلس النواب، مخالفًا الدستور الواضح ولا يوفر أيضًا النظام الداخلي للمجلس.

وأبرز دليل على التفرد والأحادية في أدائه هو قوله “إن لا جلسة لمجلس النواب للبحث في أي تعديل، بعدما عطلوا نصاب الجلستين السابقتين، ولن أغيّر موقفي ولن أتزحزح”. وفي ذلك برأي المشرع السابق، تعدّ على حق دستوري للنواب، إذ من حق النواب أن يطيحوا النصاب ساعة يشاؤون، سواء بالنسبة للقوانين العادية، أو في ما يتعلق بالدستور أو بأي قانون استثنائي يحتاج أكثرية الثلثين، وبالتالي على الرئيس بري احترام الأكثرية المطلقة التي توازي النصف زائدًا واحدًا.

ويُذكر أن الرئيس بري وحلفاءه لجأوا مرارًا وتكرارًا، ولسنوات عدة في مراحل مختلفة إلى تعطيل النصاب القانوني للجلسات لأسباب عدة واهية أحيانًا، علمًا أن ثمة فارقًا كبيرًا بين من يعطل النصاب كونه أكثرية، وبين من يعطل الاستحقاق الرئاسي كونه أقلية، باعتبار أن انتخاب رئيس يحتاج حضور ثلثي المجلس، بينما تعطيل الجلسة لا يحتاج إلا إلى ثلث المجلس زائدًا واحدًا.

ويضاف إلى كل ما تقدم، أن الرئيس بري لا يقيم وزنًا لوجود أكثرية نيابية مطلقة تؤيد تعديل القانون في ما خص اقتراع المغتربين، متحديًا إرادتها الصريحة بمن تمثل. وتسأل الشخصية السيادية: بأي حق يحتجز الرئيس بري في درجه اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق باقتراع غير المقيمين، بدلًا من إدراجه على جدول أعمال أول جلسة يعقدها المجلس للتصويت على صفة العجلة، وحينها إذا تم إقرار صفة العجلة، يناقش الاقتراح ويخضع للتصويت الفوري، وإلا يحال على اللجنة الخاصة وفق الأصول، بدلًا من وضعه على الرف، أو تعريضه للموت البطيء في مقبرة اللجان.

في أي حال ثمة تساؤلات حول الموقف الحقيقي لكل من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام من تعديل القانون، ومعروف أن الرئيس عون ومنذ اللحظة الأولى أبلغ العديد من زواره أن حصول الانتخابات في موعدها هو الأولوية، والباقي تفاصيل، موحيًا في حينه بتحفظه على الدعوات إلى اعتماد صوتين تفضيليين بدلًا من صوت واحد، لكن مسألة اقتراع المغتربين بدت بعيدة عن الجدل، انطلاقًا من قناعة غالبة بأنه سيتم التعديل لمصلحة اقتراع غير المقيمين في الدوائر الوطنية.

وفي رأي قريبين من الرئاسة فإن الرئيس لا يعارض التعديل إذا أيّدته الأكثرية وسلك المسار السليم، علمًا أن الرئيس سلام لا يختلف في الموقف مع رئيس الجمهورية، لكنهما لا يرغبان في التدخل حاليًا، علمًا أن من حق مجلس الوزراء أن يبادر إلى إحالة مشروع قانون بالتعديل وبصفة معجل مكرر على البرلمان، حتى إذا ما تمنّع المجلس عن البت به ضمن مهلة معينة يتولى رئيس الجمهورية نشره رسميًا.

ويبقى الجو السائد في المغتربات، حيث يتبلور أكثر فأكثر شعور بالغضب والنقمة وإن لم يبلغ حدًا نافرًا حتى الآن، لا سيما وأن المغتربين يرفضون التعاطي معهم كمواطنين درجة ثانية عبر حصر دورهم وأصواتهم بالدوائر الست “اللقيطة”، فهم مواطنون بمواصفات كاملة، بل إنهم يفضلون تسميتهم بغير المقيمين وليس بالمغتربين، لا سيما أن وجودهم في الخارج كان لأسباب قسرية. وحول ما إذا لم يتم تعديل قانون الانتخاب، فإنهم وبحسب دراسة أولية أجرتها هيئة اغترابية في أميركا الشمالية، سيردون بإصرار كبير عبر الانتقال إلى لبنان بأعداد كبيرة للاقتراع، وسيكون اقتراعهم مؤثرًا جدًا لأنه اقتراع انتقامي في وجه محاولات عزلهم عن وطنهم.