
“نوبل” أفلتت من ترامب… وغزّة من إيران
مع دخول الشرق الأوسط نقطة تحوّل مفصليّة باتّفاق إسرائيل و”حماس” على وقف حرب غزّة، قفز السؤال عن انعكاسه على لبنان من بين سيل من الأسئلة.
أفلتت جائزة “نوبل للسلام” من دونالد ترامب. لكن أوساطاً عربية متصلة بإدارته، ترى أن اتفاق غزة متين في خطواته وأهدافه. يشبِّه البعض الاتفاق على وقف حرب غزة باتفاق وقف حرب لبنان، التي لم تتوقف، لأن إسرائيل تنتهكه يومياً و”الحزب” يرفض نزع سلاحه .. لكن واشنطن تتفادى الخلاف مع الدول العربية والإسلامية. ورقة غزة أفلتت بالمقابل من إيران. مسار غزة صار خاضعاً لأدوار تركيا ومصر السعودية، قطر والأردن مع أميركا.
في اتّفاق وقف النار في لبنان قبل زهاء 11 شهراً، قيل حينها إنّ الرئيسين، جو بايدن الذي كان في البيت الأبيض، ودونالد ترامب، الذي كان رئيساً منتخباً، مارسا نفوذهما على بنيامين نتنياهو كي يقبل به. لكنّه حصل على رسالة ضمانات تطلق حرّية حركة جيشه باستهداف “الحزب”.
ضغط ترامب “غير المسبوق”؟
قالت صحيفة “نيويورك تايمز”، في عددها ليوم أوّل من أمس، إنّه “لم يسبق لرئيس أميركيّ أن مارس ضغوطاً بهذه الشدّة على رئيس وزراء إسرائيليّ”، كي يقبل باتّفاق غزّة. رأت الصحيفة أنّ “وقف مجزرة غزّة سيكون من دون شك إنجازاً يفاخر به ترامب في سياسته الخارجيّة”.
وتيرة الضغط الأميركي لوقف الحرب ترجمها الحضور غير المسبوق لموفد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنير جانباً من جلسة الحكومة الإسرائيلية التي أقرّت الاتّفاق ليل الخميس. بدا واضحاً أنّ واشنطن تحمي الاتّفاق من الوزيرين الرافضين للاتّفاق، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
مثل العديد من المراقبين العرب واللبنانيّين سألت “نيويورك تايمز” عن كون تبادل الرهائن الإسرائيليّين والأسرى الفلسطينيّين “كافياً من أجل سلام مستدام”؟ تحمل المرحلة الثانية من الاتّفاق المتروكة للتفاوض غموضاً في طريقة تنفيذ الانسحاب الكامل (البند 16 من نقاط ترامب الـ20) وتسليم “حماس” السلاح وتدمير البنية التحتيّة العسكريّة (البند 13)، فبقيت بلا أجوبة واضحة.
الشّبه والاختلاف بين لبنان وغزّة
أوجه الشبه بين اتّفاقَي لبنان في 27 تشرين الثاني 2024 وغزّة، ربّما تكون متساوية مع أوجه الاختلاف الجوهرية بين ظروف الاتّفاقين. في لبنان يتعثّر التنفيذ بفعل استمرار احتلال إسرائيل منذ البداية لخمسة مواقع أصبحت ثمانية، وامتناع “الحزب” عن تسليم السلاح إلّا جنوب نهر الليطاني. في غزّة تُبقي القوّات الإسرائيلية على مساحة 53 في المئة من القطاع، واستكمال انسحابها مرتبط بنزع سلاح “حماس”. نسبت “سي إن إن” إلى خبراء أميركيّين قولهم إنّ نجاح الاتّفاق يتوقّف على تصميم ترامب على تنفيذه. وهذا حاسمٌ في تحديد ما إذا كنّا سنصل إلى المرحلة الثانية أو لا.
ارتباك إيران وتقدير ترامب… وقضيّة السّلاح
الرابط بين لبنان وغزّة هو ماهيّة موقف إيران الفعليّ، لا سيما حيال مبدأ تسليم سلاح “الحزب” إذا نجح نزع سلاح “حماس”، وانعكاسه على الانسحاب الإسرائيليّ.
جاء ردّ فعل طهران على اتّفاق غزّة من إسماعيل بقائي الناطق باسم الخارجيّة حين قال يوم الأربعاء 6 تشرين الأوّل إنّ طهران “تدعم” وقف حرب الإبادة. وكان مفاجئاً للمراقبين أن “قدّر” ترامب هذا الموقف، قائلاً: “إيران تريد العمل على تحقيق السلام. لقد أخبرونا بذلك. ويعترفون بأنّهم يدعمون هذه الصفقة (لإنهاء القتال في قطاع غزّة) بشكل كامل. أعتقد أنّ هذا رائع. ونحن نقدّر ذلك، ونعمل مع إيران”، وشدّد على أنّ الهجوم على إيران كان “مهمّاً” للتوصّل إلى اتّفاق غزّة. فهل حصل ترامب على رسالة من طهران في إطار المفاوضات السرّية التي باتت بغداد تلعب دوراً نشطاً فيها إضافة إلى عُمان؟
تردّد أنّ ما يهمّ طهران هو الحصول على تطمين من ترامب إلى أنّه لا يجاري نتنياهو في هدفه تغيير النظام فيها.
أصدرت الخارجية الإيرانية أوّل من أمس بياناً مفصّلاً ذكّر بأنّه لطالما أيّدت طهران “أيّ مبادرة لوقف الحرب وانسحاب إسرائيل ودخول المساعدات وإطلاق الأسرى الفلسطينيّين وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني”. تجنّبت طهران التعليق على نزع السلاح، في حين رفضت ذلك فوراً في لبنان.
لكنّ مستشار المرشد الدكتور علي أكبر ولايتي قال إنّ “بدء وقف النار في غزّة قد يشكّل كواليس نهاية وقف إطلاق النار في مكان آخر”، مشيراً إلى العراق واليمن ولبنان. فهل تتوقّع طهران أن يتفرّغ نتنياهو لاستكمال ضرب أذرعها في هذه الدول، أم يردعه ترامب جرّاء ما أوحى به من اتّصالات معها؟
الواضح أنّ الجانب الإيرانيّ يعاني ارتباكاً شديداً لأنّ الموافقة الحمساويّة فاجأته، ويخشى إطلاق يد نتنياهو ضدّه. الدليل هو ارتباك “الحزب” في التعليق على اتّفاق غزّة إثر توقيعه، بعدما كان رحّب بإعلان ترامب خطّته. وكان قد شارك في اتّفاق لبنان عبر رئيس البرلمان نبيه برّي، ثمّ أعطى تفسيره الخاصّ لنصّه وواكب طهران برفض نصّه على تسليم السلاح.
“وصاية أميركيّة” في غزّة… وإهمال للبنان
في المقارنة بين لبنان وغزّة، يمكن ذكر الآتي:
1- في الاتّفاقين لجنة خماسيّة برئاسة أميركيّة ترعى تدابير تنفيذيّة منها البحث عن رفات إسرائيليّين قُتلوا في القطاع. في غزّة حلّت تركيا مكان فرنسا في اللجنة، وهو ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعلان استعداد بلاده للمساهمة بقوّات في القطاع. حلّت مع مصر وقطر مكان الأمم المتّحدة، ولم تتمثّل السلطة الفلسطينية أسوة بإسرائيل مقابل تمثيل الجيش اللبناني في شأن لبنان، الذي يشارك فيها “الحزب” حكومته، ورئاسته منتخبة دستوريّاً. أمّا الدور الفلسطينيّ فسيكون جزءاً من “سلطة انتقاليّة مؤقّتة للجنة فلسطينيّة تكنوقراطيّة وغير مسيّسة” (البند 9).
2- في لبنان أهمل الجانب الأميركي دعوة الخماسيّة إلى الانعقاد إلّا خمس مرّات. وتبدّل ممثّلها ثلاث مرّات. لكنّه منخرط بقوّة في مراقبة وقف النار وتنفيذ البنود الأخرى، بإرساله 200 جندي إلى القطاع خلافاً لقرار أميركيّ بعدم إرسال جنود إلى الخارج. هؤلاء سيشاركون في “قوّة الاستقرار الدوليّة” مع قوّات مصريّة وقطريّة ودول أخرى يتردّد أنّ إندونيسيا من بينها. لكنّ الأهمّ أنّ ترامب شخصيّاً سيرأس “مجلس السلام” الذي هو أشبه بمجلس وصاية على غزّة لتطبيق الاتّفاق وإعادة الإعمار.