
“الحزب” يواجه ترامب والذّكاء الاصطناعيّ… بـ”القدرة الإنجابيّة”
يغرق “الحزب” في المدينة الرياضيّة. يحصي مسؤوله الكشفيّ نزيه فيّاض “74 ألف مشارك” في نشاط كشفيّ بعنوان “أجيال السيّد”. كما لو أنّها “مبارزة إنجابيّة”. إذ يقول “الحزب”، في عالم يتحوّل بسرعة، إنّ جرحاه وشهداءه الذين زادوا على 10 آلاف، يريدون أطفالهم “شهداء أيضاً”.
في الموازاة كان قادة أكثر من 20 دولة، معظمها مؤثّر في المشهد العالميّ، يجتمعون بضيافة الرئيس المصريّ في قمّة شرم الشيخ ليكونوا “شهوداً” على مشروع “السلام” الذي يقوده الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب انطلاقاً من اتّفاق غزّة.
هل هناك انفصال عن الواقع أكثر من هذا؟ هل لهذا الحدّ يعجز “الحزب” عن قراءة متغيّرات المنطقة؟
يشبه سلوك “الحزب” اليوم، في قراءة ما يجري في لبنان والمنطقة والعالم، سلوك العائلات الإقطاعيّة في جنوب لبنان في ستّينيّات القرن الماضي. تلك التي سرعان ما ورثتها حركة أمل، ولاحقاً “الحزب”. سرعان ما انقرضت بسبب عجزها عن قراءة العالم من حولها.
حين كانت المنطقة تغرق في الأفكار العروبيّة والوحدويّة، والعالم يموج بالأفكار الاشتراكيّة واليساريّة والأمميّة، ولبنان يزحف نحو الحرب الأهليّة بين المذاهب والطوائف، كان “الإقطاع” بنسخة القرن العشرين، يصرّ على قراءة العالم انطلاقاً من ولاء الجنوبيّين لعائلة آتية من القرن الـ18 أو الـ19. من دون أيّ اتّصال باتّساع الهويّات في العالم، وضيقها في بيروت ومحيطها.
كان مصير هذه العائلات أن “انقرضت” سياسيّاً. ما بقي منها تناتشه “الثنائي الشيعي” كـ”مكمّلات غذائيّة انتخابيّة”، من دون أيّ وزن لها في القرار السياسيّ أو الانتخابيّ.
مواجهة ترامب… بالقدرة الإنجابيّة
يجنح العالم كلّه اليوم نحو ما يدور في عقل رجل واحد: دونالد ترامب. يريد فرض تصوّراته عن “السلام” على منطقتنا. يدخل صهره جاريد كوشنير ومبعوثه ستيف ويتكوف، إلى اجتماع حكومة بنيامين نتنياهو في تل أبيب، ويجبرانه على قبول “صفقة غزّة”. ثمّ يتوجّه ترامب إلى عاصمة إسرائيل، حيث يلقي خطاباً يطلب خلاله من الرئيس الإسرائيلي أن يعطي “بيبي” عفواً عن جرائم الفساد المتّهم بها.
يذكّرهم ترامب في الخطاب نفسه بأنّ أميركا وأسلحتها والتكنولوجيا المتطوّرة، هي سبب فوزهم في الحرب ضدّ إيران وميليشياتها. يفهم نتنياهو، و”يبصم” على طلبات الإمبراطور الجديد لهذا الكوكب.
لا يكترث ترامب لـ”سيادة” إسرائيل الداخليّة، حليفته. يتدخّل في قرار حكومتها. ثمّ يمدّ يده إلى القضاء الإسرائيلي، فيطالبه بالعفو عن صديقه نتنياهو.
هذا الرجل يواجهه “الحزب” بـ”أكبر نشاط كشفيّ في العالم”. أي بأبناء وعائلات شهدائه وجرحاه ومقاتليه، بما يشبه استعراض لـ”القدرة الإنجابيّة”. يقدّم “الحزب” أطفاله ومراهقيه، ويروح يعدّهم ويبالغ في أعدادهم، فيضاعفها، ظنّاً منه أنّه بذلك يخيف أميركا أو إسرائيل، أو حتّى الداخل اللبناني.
نهاية زمن الأعداد
لا ينتبه “الحزب” إلى أنّ عدد سكّان أميركا هو 342 مليون فقط. تحكم عالماً من 8 مليارات. وإسرائيل بسكّانها الـ7 ملايين، هزمت بلاداً أعداد “جماهيرها” نحو 216 مليوناً (إيران وسوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين).
في حروب القرن العشرين، كان عدد المقاتلين مهمّاً وأساسيّاً، إلى أن استعملت أميركا السلاح النوويّ الذي قضى على مدينتين وقتل 300 ألف ياباني بكبسة زرّ. وترك 300 ألف آخرين مصابين يتعذّبون.
كذلك كان الذكاء الاصطناعيّ أساسيّاً في معركة غزّة، حيث أعداد القتلى والجرحى ستزيد على 300 ألف. كانت “نوعيّة” الأسلحة في الحرب على لبنان واليمن وسوريا والعراق أساسيّة. وليست “كمّيّة” الجنود. طائرات مسيّرة وزنها كيلوغرامات قليلة، يشغّلها أعداد قليلة من البشر، هي التي هزمت “الحزب”. وليست أعداد الجنود الإسرائيليّين. كما كان الحال في “إنزال النورماندي” في الحرب العالميّة الثانية. حيث شارك 156 ألف جندي. وارتفع العدد إلى مليونَي مقاتل.
اليوم انتصرت إسرائيل، ومن خلفها أميركا والغرب، على محور إيران، بمئات الجنود فقط.
في زمن الذكاء الاصطناعي، لا تُقاس القوّة بعدد البنادق، بل بعدد الخوارزميّات.
المسيحيّون في لبنان: الحكم ليس للعدد
حتّى في لبنان، يحكم اليوم رئيس جمهوريّة مسيحيّ، على الرغم من أنّ أعداد المسيحيّين في لبنان انخفصت إلى أقلّ من ربع عدد المقيمين. المسيحيون استعادوا المبادرة في لبنان، مع نهاية زمن “العدّ”. استعادوها بالأحلاف السياسيّة مع دول خارجيّة، وبالعمل السياسي لا العسكريّ.
فيما عاد وزن “الحزب” السياسيّ إلى وزيرين فقط في الحكومة. ويكاد يخسر حليفه الرئيس نبيه برّي. على الرغم من “100 ألف مقاتل” و”75 ألف كشفيّ”.
يحسب “الحزب” أبناءه واحداً واحداً. بينما يحسب العالم نبض الذكاء الاصطناعي بالـ”ميلي ثانية”.
ألا يقرأ “الحزب” هذه الوقائع؟
ألا يوجد عاقلون في “الحزب” لنهيه عن الغرق في وهم الأعداد؟