خاص- النازحون بين الذريعةِ والواقع… إلى متى؟

خاص- النازحون بين الذريعةِ والواقع… إلى متى؟

الكاتب: د. ليون سيوفي | المصدر: Beirut24
17 تشرين الأول 2025

تحجّجَ كثيرٌ من النازحين السوريّين بأنّهم فرّوا من نظامٍ كانوا يعارضونه، فهربوا إلى لبنان طلباً للأمان. لكنّ السؤال الذي بات مطروحاً اليوم بإلحاح…
إذا كان النظامُ الذي هربوا منه قد تغيّر، فبأيّ منطقٍ يستمرّ وجودُهم هنا؟
ولماذا لم يعُدوا إلى ديارهم بعدما استتبّ الأمنُ في معظم الأراضي السوريّة؟
لقد تحوّل ملفّ النزوح من مسألةٍ إنسانيّةٍ مؤقّتة إلى قضيةٍ وطنيّةٍ وسياديّةٍ خطيرة، بعدما تخطّى العددُ المقبول، وبدأ يتداخل مع الأمن الاجتماعيّ والديموغرافيّ للبنان.
ففي غيابِ الرقابةِ الرسميّة، ووسطَ الفوضى التي رافقت اللجوءَ غير الشرعيّ، تسلّلَ إلى الداخل اللبنانيّ عشراتُ الآلاف ممّن لا تُعرَف هويّاتهم الحقيقيّة، ولا تاريخُهم الأمنيّ، ولا انتماءاتهم، ما جعلَ الملفَّ يتجاوزُ البُعدَ الإنسانيَّ إلى بُعدٍ أمنيٍّ خطير.
من حقِّ لبنان أن يسأل…هل بين هؤلاء من هو لاجئٌ حقّاً، ومن هو متسلّلٌ أو عميلٌ أو عنصرٌ نائمٌ ينتظرُ الإشارة؟
إنّ السكوتَ عن هذا الملفّ تواطؤ، والتغاضي عنه خيانةٌ صامتة، لأنّ استمرارَ هذا الواقع يُهدّدُ الاقتصادَ، والأمنَ، والهويةَ الوطنيّةَ على حدٍّ سواء.
لقد استقبلَ لبنانُ أشقّاءَه السوريّين بكرمٍ وإنسانيّةٍ قلَّ نظيرُهما، لكنّ الكرمَ لا يعني الاستسلامَ، والضيافةُ لا تعني التوطين.
ومن واجبِ الدولةِ اليوم أن تُعيدَ تنظيمَ هذا الملفّ بجرأةٍ ومسؤوليّة، فتُرحِّلَ من انتهت أسبابُ نزوحه، وتُحاسِبَ كلَّ مَن دخلَ خلسةً أو يعملُ خارجَ القانون.
يا شعبَ لبنان ليس كلُّ عاملٍ وافدٍ بريئاً، وليس كلُّ غريبٍ ضيفاً. ففي زمنٍ يُستَغلُّ فيه الفقرُ والجوعُ والحاجةُ لغاياتٍ أمنيّةٍ خفيّة، يصبحُ الانتباهُ واجباً وطنيّاً لا يحتملُ الإهمال.
لقد تسلّلَ إلى لبنان خلال السنوات الأخيرة عددٌ كبيرٌ من الأشخاص دون أوراقٍ ثبوتيّةٍ أو هُويّاتٍ معروفة، يتوزّعون في القرى والمدن، يعملون في المهن البسيطة، ويعيشون بين الناس كأنّهم جزءٌ من النسيج اليوميّ، بينما لا أحد يعرفُ من هم، ولا لمن ينتمون.
هؤلاء قد يكونون فقراءَ يبحثون عن لقمةِ العيش، وقد يكونُ بينهم من يُكلَّفُ بجمعِ المعلومات، أو مراقبةِ مواقعَ محدَّدة، أو زرعِ الفوضى ساعةَ يُطلَبُ إليه ذلك.
إنّ الاختراقَ الأمنيَّ لا يبدأ بالمدافع، بل بالمتسلّلِ الصامت الذي يندسّ في صفوفِ المجتمع، يراقبُ، يسمعُ، ويُبلّغ.
من هنا، فإنّ مسؤوليّةَ المراقبةِ لا تقعُ على الأجهزةِ الأمنيّةِ وحدَها، بل على كلِّ مواطنٍ غيورٍ على وطنه.
على البلديّات، والمخاتير، وأصحابِ الأعمال، وسكّانِ الأحياء والمباني ، أن يُبلّغوا فوراً عن أيّ شخصٍ مجهولِ الهويّة، أو عاملٍ لا يحملُ إقامةً شرعيّة، أو يسكنُ في أماكنَ مشبوهةٍ دون تسجيلٍ رسميّ.
فالأمنُ الاجتماعيُّ هو خطُّ الدفاعِ الأوّلُ عن الوطن، وكلُّ تساهلٍ هو خرقٌ مفتوحٌ في جدارِ السيادة.
ولْيُعلَمْ جيّداً، كلُّ من يسكتُ عن الخطرِ أو يتغاضى عن وجودِ مشبوهٍ بيننا، هو شريكٌ له، بصمتِه أو بخوفِه أو بتهاونِه.
فالوطنُ لا يُخترقُ من الخارجِ فقط، بل من داخلِ من يتقاعسون عن قولِ الحقيقة أو يخشونَ واجبَ التبليغ.
إنّ السكوتَ على الخطرِ خيانةٌ صامتة، لا تقلُّ خطورةً عن الفعلِ نفسه.
لبنان الذي أنهكته الحروبُ لا يحتملُ بعد اليوم أن يُؤتى إليه بالخطرِ من الداخل.
فليكن شعارُنا“نرحمُ المحتاج، لكن لا نغفلُ عن المندسّ.”
ولتبقَ أعينُنا مفتوحةً، بلا كراهيةٍ، لكن بحذرٍ ومسؤوليّةٍ وطنيّة.
لقد آنَ الأوانُ لأن نفصلَ بين الرحمةِ والتهديد، بين المحتاجِ الشريفِ والمندسِّ الخفيّ، لأنّ من يختبئُ خلفَ اللجوءِ ليُؤذي الوطن، هو أخطرُ من عدوٍّ على الحدود.
فاحذروا، وبلّغوا، ولا تصمتوا… فالصمتُ في هذه المرحلةِ شراكةٌ في الخطر.