معركة هويّة الهيئة المنظّمة للقنّب… توجّه شيعي ـ بقاعي لإدارة القطاع

معركة هويّة الهيئة المنظّمة للقنّب… توجّه شيعي ـ بقاعي لإدارة القطاع

الكاتب: اسكندر خشاشو | المصدر: النهار
17 تشرين الأول 2025

معركة هويّة الهيئة المنظّمة للقنّب… توجّه شيعي ـ بقاعي لإدارة القطاع
 إشارات سلبية إلى المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة

دخلت الهيئة الوطنية المنظِّمة للقنّب الهندي في لبنان في دوامة تجاذب سياسي وطائفي حول هوية من سيتولى إدارتها، في وقت يُفترض أن تكون هيئة تقنية واقتصادية بحتة. فبعد أكثر من ثلاث سنوات على إقرار قانون تشريع زراعة القنّب لأغراض طبية وصناعية (2020)، بدأت الحكومة تنفيذ الخطوة التنظيمية بتعيين مجلس إدارة للهيئة، لكن الاصطفافات الحزبية والمناطقية سرعان ما تسللت إلى المشهد.

وفق معلومات من أوساط رسمية، برز إصرار من قوى سياسية نافذة (“حزب الله”، حركة “أمل”) في البقاع على أن يكون المدير العام للهيئة من أبناء المنطقة، بل من الطائفة الشيعية تحديداً، بحجة أن زراعة القنّب تتركز تاريخياً في البقاع، وأن إشراك أبناء المنطقة في إدارتها “حق طبيعي”. لكن في المقابل، تعترض أطراف أخرى، معتبرة أن هذا المنطق يعيد إنتاج نموذج “المحاصصة” في مؤسسة كان يُفترض أن تكون نموذجاً إصلاحياً على مستوى الشفافية والكفاءة.

مصادر وزارية تحدثت عن تباين داخل مجلس الوزراء بين من يرى في التعيين “استحقاقاً تقنياً” يجب أن يخضع لمعايير الاختصاص والخبرة، ومن يعتبر أن للبعد الاجتماعي والسياسي دوراً لا يمكن تجاهله في هذه المرحلة الحساسة، خصوصاً أن المزارعين في البقاع يشكّلون ركيزة رئيسية في تطبيق القانون وضبط الزراعة الشرعية.

اللافت أنّ داني فاضل، رئيس الهيئة المعيّن، يحظى حتى الآن بدعم من رئاسة الحكومة ووزارة الزراعة، لكن أطرافاً ترى أنه “لا يمثل البيئة التي عانت لسنوات من تحريم الزراعة”، ما فتح الباب أمام محاولات لإعادة النظر في بعض التعيينات أو استحداث مناصب تنفيذية موازية.

بهذا، يتحوّل مشروع كان يفترض أن ينعش الاقتصاد اللبناني ويوفّر عوائد مالية ضخمة إلى مادة سجال سياسي جديد، تستخدم فيها العناوين الطائفية والمناطقية لتثبيت النفوذ. وبين من يريد “هيئة وطنية شاملة” ومن يصرّ على “هيئة بقاعية الهوى”، يبدو أن القنّب الهندي في لبنان ماضٍ في طريق طويل قبل أن يتحوّل من ملف زراعي إلى قصّة نجاح اقتصادية.

وما تجدر الاشارة إليه أنّ استمرار الصراع حول هوية إدارة الهيئة المنظِّمة للقنّب الهندي لا ينعكس فقط على الداخل اللبناني، بل يوجّه أيضاً إشارات سلبية إلى المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة التي كانت تتابع باهتمام تجربة لبنان في تشريع هذه الزراعة.

فالقانون الذي أُقرّ عام 2020 حظي في حينه بدعم من الأمم المتحدة والبنك الدولي، باعتباره خطوة إصلاحية تمكّن الدولة من تحويل زراعة غير شرعية إلى قطاع منظم ومربح يدرّ عائدات مالية قد تصل إلى مئات ملايين الدولارات سنوياً، ويسهم في تنمية الريف البقاعي وخلق فرص عمل.

لكن هذا الصراع، بطابعه الطائفي والمناطقي، يبدّد تدريجاً الثقة الدولية بقدرة لبنان على إدارة قطاع حساس بشفافية. فالمستثمرون الأجانب، وخصوصاً الشركات الأوروبية والكندية التي أبدت رغبة أولية في الدخول إلى السوق اللبنانية، يتريّثون اليوم بانتظار وضوح الإطار الإداري والقانوني، وتأكيد أن القرارات تُتخذ بمعايير مهنية لا سياسية.

كذلك، فإنّ أي انطباع عن “محاصصة شيعية ـ بقاعية” بخلفيات سياسية في إدارة هذا القطاع قد يُعرّض لبنان لانتقادات دولية ويُضعف فرصه في نيل الدعم التقني والمالي المطلوب لتأهيل المزارعين والبنية التحتية. فالقضية لم تعد مسألة من يدير الهيئة فقط، بل باتت اختباراً لمقدار جدّية الدولة في تطبيق الإصلاحات ومكافحة الفساد ضمن قطاع واعد، يمكن أن يشكّل نموذجاً جديداً للاقتصاد الإنتاجي إذا توافرت الإرادة السياسية والمناخ الإداري السليم.