
ثنائية “السلطة والحزب” لإجهاض الاعمار
تكاذب مشترك، هي الحقيقة المرّة، التي توجب المرحلة الجديدة بقاموسها التحرّري، أن يتمّ المجاهرة بها، فقد يكون اعترى نهج السلطات اللبنانية الرسمية، في مقاربة ملف احتكار السلاح والقوّة، التردّد أو الخوف أو انعدام المسؤولية أو الاستشراف الخاطىء، لكن على الأكيد أنّ تفسيرها للقرار 1701 واتفاق وقف اطلاق النار يُناقض النّصوص بشكل تام، وفي المقابل إنّ رمي حزب الله مسؤولية عدم إعادة اعمار المناطق المدمّرة، جرّاء حربه العبثية مع إسرائيل، على الدولة اللبنانية هو نفاق فاقع وتحوير جبان للوقائع، تُقابله الدولة بمحاولة كسب الرضى والقاء الخطابات الترقيعية، وبين الحالتين، تموت الحقيقة وتموت معها ملامح استعادة الاستقرار.
غير صحيحة البتة، سردية الدولة، المتداولة حديثًا، عن أنّ لبنان أنجز ما عليه من متوجّبات في الترتيبات التي وقّعت عليها، في 27 تشرين الثاني 2024، تنفيذًا للقرار 1701 بالكامل، وتتمثّل الخروقات من الجانب اللبناني، بمواصلة حزب الله، عبر التلطّي خلف بيئته، المساس بقوّات “اليونيفيل” خرقاً منه للبند الخامس من الاتفاق، وعبر اعادة بناء قوّته العسكرية كما يُجاهر مَن تبقّى مِن قيادات “الحزب” بشكل يوميّ في خرق للبند السادس، وعبر عدم تفكيك البنية العسكرية وعدم مصادرة السلاح على كامل الأراضي اللبنانية كما تنصّ المادة السابعة.
وعلى المقلب الآخر، يستفحل حزب الله في تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية عدم انجاز ملف اعادة الاعمار، وذلك في “بروباغندا” كاذبة لا تمتّ للحقيقة بصلة، لكون الحرب التي بدأها بنفسه، دون العودة لا للحكومة ولا للبنانيين، قد أنهاها باتفاق أتاح لاسرائيل أن تواصل عمليّاتها؟ فكيف يُمكن اعادة الاعمار في ظلّ الاستهدافات المستمرة؟ وكيف يمكن المباشرة بإعادة الاعمار، أو تنفيذ الفقرة الاخيرة من اتفاق 27 تشرين الثاني “عبر بناء القدرات والتنمية الاقتصادية”، طالما أنّ شرط حصر السلاح بيد القوى الشرعية لم يتحقّق؟ وكيف يمكن استقدام الدعم المالي المطلوب في ظلّ اشتراط كل المجتمع الدولي أن تحتكر الدولة بشكل فعلي قرار الحرب وقبضة العسكر؟ إنّ إصرار حزب الله على التمسّك بسلاحه ودوره العسكري الأمني الذي سقط بالضربات القاضية، واصراره التلاعب بتفسير الاتفاق، ورفضه التعاون مع الدولة اللبنانية عبر الانسحاب من الجلسات الوزارية تارةً والتهديد بالحرب الاهلية طوراً، يُشكّل إمعاناً مباشراً في اجهاض كل الفرص الدولية المتاحة في الأفق، والذي لا بديل عنها، لاعادة اعمار القرى والبنى التحتية المهدّمة، وما تلكؤ السلطات الرسمية في لبنان، عن وضع النقاط على الحروف، أو عن تحميل حزب الله هذه المسؤولية، على وقع استمرار اسرائيل بضرباتها، سوى مساهمة رسمية في تغطية مشروع حزب الله المُعادي لأي استقرار ولأي ازدهار ولأي اعمار.
الحقيقة واحدة، لقد اختار حزب الله طريق طهران في المكابرة والعناد لأجل مشروع سقط ولن يعود للحياة، اختار درب نحر ما تبّقى من صمود وحياة وأمل داخل بيئته لأجل حسابات طهران، والدولة اللبنانية اختارت الهروب من الأفعال نحو “سيمفونيات” البيانات الشعرية، والشعب اللبناني وحده، وبالأخصّ أهالي الجنوب والضاحية يدفعون الثمن: من دون تخلّي حزب الله عن سلاحه كاملاً لا اعمار، والمسؤول الأول ثنائية السلطة المترددة والحزب المكابر.