عون يقرأ تحولات ما بعد الحرب ويفتح نافذة التفاوض

عون يقرأ تحولات ما بعد الحرب ويفتح نافذة التفاوض

الكاتب: سعد الياس | المصدر: القدس العربي
19 تشرين الأول 2025

بقيت دعوة الرئيس اللبناني العماد جوزف عون إلى التفاوض غير المباشر مع إسرائيل فكرة واقعية تلامس نتائج الحرب والحاجة إلى حلول، لكن هذه الدعوة تبقى في الوقت ذاته رهينة الظروف والالتزامات. وقد لفتت في اليومين الماضيين الاتصالات الثنائية بين المقار الرئاسية التي أجراها رئيس الحكومة نواف سلام مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما لاقى الرئيس سلام موقف الرئيس عون حول عدم جواز بقاء لبنان خارج مسار التسويات، داعياً إلى «ضرورة استخلاص العبر من النتائج التي أظهرتها المرحلة الراهنة»، ومشيراً إلى «أن الدول التي تُحسن قراءة التحوّلات التي تشهدها منطقتنا هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وصون أمنها».
وقد تبلورت هذه المواقف الرئاسية بعد قراءة التحولات في المنطقة التي يتقدم فيها خيار التسويات على خيار الحروب، خصوصاً وأن مَن يُمسك بزمام السلطة يفترض به أن يكون مؤتمناً على البلد ويبعد عنه شبح الحروب. وبدا الرئيس اللبناني حازماً بقوله «أنا مؤتمن على هذا البلد وأي وسيلة تساهم في راحته وتبعد عنه شبح الحرب وتؤمن تحرير الجنوب وإعادة الإعمار أنا مستعد للقيام بها».
فبين حرب عبثية بلا نتيجة وبين خيار تفاوضي قد يؤدي إلى حل كما حصل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، يميل الرئيس عون إلى الخيار الثاني، وهو لم يتردد في انتقاد من ورّط لبنان في حروب، غامزاً من قناة «حزب الله» بقوله «طالما تم توريط لبنان في حرب غزة تحت شعار إسناد مطلقيها، أفليس من أبسط المنطق والحق الآن إسناد لبنان بنموذج هدنتها، خصوصاً بعدما أجمع الأطراف كافة على تأييدها؟».
ويراهن رئيس الجمهورية على المناخ الدولي والعربي الذي يشجّع على خيار التسويات ولاسيما أن لا قدرة للبنان بعد على تحمل الحروب وكلفتها، ولا قدرة له على مواجهة إسرائيل التي تستمر في عدوانها وفي غاراتها. وجاءت الغارات الإسرائيلية العنيفة قبل أيام على منشآت مدنية وعسكرية جنوباً وبقاعاً، لتحمل في طيّاتها رسائل عن عدم تخلّي تل أبيب عن استراتيجيتها الرامية إلى مزيد من الضغط على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية لفرض أمر واقع وعدم التساهل في خطة نزع السلاح. وهكذا، فإن الغارات الإسرائيلية التي تتصاعد حيناً وتتراجع حيناً آخر تندرج حتى إشعار آخر في اطار إبقاء الوضع اللبناني بين واقعَي لا حرب ولا سلام، وهذا الواقع يريح إسرائيل التي تملك حرية الحركة في الأجواء اللبنانية وتستهدف مَن تريد وما تريد.
وفيما يشعر «حزب الله» بالإحراج إزاء هذا الواقع، يحاول رئيس الجمهورية من خلال اتصالاته مع الولايات المتحدة وفرنسا وعدد من الدول وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل وتأمين انسحابها من النقاط الخمس المحتلة وتحرير الأسرى للانخراط في مسار التفاوض. ويدرك الرئيس عون أن بقاء البلاد في حال المراوحة بين رفض «حزب الله» التجاوب مع تسليم سلاحه شمال نهر الليطاني وبين استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على ما هي عليه يتسبّب في تآكل الرصيد الشعبي والسياسي للعهد الذي إنطلق بزخم وأعاد الأمل لكثير من اللبنانيين بامكانية الخروج من النفق المظلم نحو دولة قوية ونحو مستقبل يسوده الأمان والاستقرار.
ويحاول الرئيس اللبناني أن يوازن بين رؤيته السياسية وبين الضغوط التي يتعرض لها سواء من خارج البلد أو من داخله خصوصاً أن هناك جهات قد تسعى للمزايدة وترفض أي نوع من التفاوض مع إسرائيل ولو غير مباشر، إلا أن هذا الرفض لن يكون له صدى كبير ولاسيما أن «حزب الله» سبق له في زمن أمينه العام السيد حسن نصرالله أن غطّى عملية التفاوض التي قادها رئيس مجلس النواب بري ومن بعده الرئيس السابق ميشال عون على ترسيم الحدود البحرية. واللافت أنه على الرغم من قساوة الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» وطول مدتها بقي الأخير محافظاً على الاتفاق ولم يطلق مسيّراته نحو حقل «كاريش» حتى ثأراً لاغتيال السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
والبعض يعتبر أنه لولا انخراط «حزب الله» في حرب «إسناد غزة» لربما تجددت مساعي الوساط الأمريكية لمعالجة النقاط المختلف عليها على طول الخط الأزرق على الحدود الجنوبية ومن بينها النقطة B1 في رأس الناقورة، فيما حالياً فرضت إسرائيل توازناً جديداً بالنار وترفض البحث في مصير مزارع شبعا بعدما تلقى «الحزب» ضربة انهت دوره خلافاً لما يصرّح به.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، يتحيّن رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة فرصة التسويات في المنطقة والدفع في اتجاه استثمار هذا المناخ الإيجابي لتكرار تجربة التفاوض غير المباشر والتوصل مع واشنطن إلى الضغط على تل أبيب لوقف اعتداءاتها العسكرية والالتزام بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 لمعالجة النقاط العالقة والعودة إلى اتفاقية الهدنة عام 1949. أما موضوع السلام أو التطبيع فمستبعد في الوقت الراهن ولاسيما أن مصلحة لبنان أن يبقى آخر دولة توقّع السلام مع إسرائيل على أساس حل الدولتين.