
خاص – المنظومة تستشعر نهايتها
في الذكرى السادسة لثورة 17 تشرين 2019 جلس أقطاب المنظومة المتحكمين بالدولة العميقة في لبنان يحصون مكاسبهم من نجاحهم في إجهاض هذا الحدث التاريخي الذي كان يمكن أن يغيّر المشهد في البلاد. كسب أقطاب المنظومة سنوات إضافية على عروشهم، مع ما رافقها من امتيازات اعتادوا على تحصيلها على مدى عقود. إلا ان الفرحة لم تكتمل، لأن أقطاب المنظومة بدأوا يرتعدون خوفًا مما هو آت في الأشهر المقبلة.
أقطاب المنظومة لا يخافون من الانهيار الاقتصادي لأنه لا يطالهم. كما أنهم لا يخافون من الحرب المرتقبة لأن الحروب لا تأخذ أبناءهم وغالبًا ما تصبّ نتائجها في مصلحتهم عبر تسويات معلنة أو مضمرة مع العدو وحلفائه. أقطاب المنظومة لا يخافون من المقاتلات والدبابات والقنابل لأنها لم تستهدفهم يومًا. كل ما يخشاه أقطاب المنظومة عن حق في هذه الفترة هو صندوق الاقتراع.
مما لا شك فيه أن الحالة السياسية في لبنان أمام ثورة بيضاء ضد المنظومة المتحكمة بالبلاد والعباد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حتى أوصلت البلد الى جهنّم بسبب انهيار الأوضاع على كافة المستويات. هذه الثورة المرتقبة في أيار المقبل سلاحها ورقة يضعها المواطن في صندوق الاقتراع لتكون كفيلة بإحداث انقلاب شامل يطال جميع مجالات الحياة في لبنان.
يخطئ من يظن أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون فقط مناسبة لبعض الأحزاب، وخاصة الأحزاب السيادية، لزيادة عدد نوابها في البرلمان. لم يعد سرًا ان الاستحقاق الانتخابي المقبل سيكون المسمار الأخير في نعش المنظومة، لأن هدفه الأساس بات تحييد رئيسها، رئيس مجلس النواب نبيه بري. فقد تحوّلت المعركة من إيصال نواب الى الندوة البرلمانية الى إيصال رئيس سيادي إصلاحي الى رئاسة مجلس النواب، يكون قادرًا على مواكبة التحوّلات في الرئاستين الأولى والثالثة، خاصة وأن الكتل السيادية، التي تملك أغلبية في المجلس الحالي، باتت مقتنعة بعدم قدرتها على التغيير في ظل سيطرة بري “المزمنة” على رئاسة المجلس ونظامه الداخلي، وتحكمه بالتالي باللعبة السياسية في البلاد.
استشعر الرئيس بري نهاية المنظومة وأدرك بحسه السياسي المخضرم هذا الواقع، فبدأ هجومًا مضادًا على معارضيه عبر إقفال الباب نهائيًا على تصويت المغتربين، لعلمه الأكيد أن الصوت الاغترابي الحر لن يكون لمصلحة فريقه السياسي، ففضّل إلغاءه من المعادلة بإسقاطه كليًا. ومع إصرار بري على عدم تعديل قانون الانتخاب، بات واضحًا أن المغترب لن ينتخب 128 نائبًا وفقًا لدائرته، ولا 6 نواب في الاغتراب على ما ينص القانون لصعوبة تنفيذ هذا الأمر من الناحية العملية.
وبعدما أغلق بري باب الاغتراب واستراح، بدأ المرحلة الثانية من هجومه بالانقضاض على الصوت الشيعي الحر في الداخل من خلال إجهاض المادة في القانون المتعلقة بالميغاسنتر، لعلمه المسبق أن كل ناخب شيعي لا يكون تحت سيطرة الثنائي وسطوته جغرافيًا سيشكل تهديدًا انتخابيًا له، وخاصة بعد الحال التي وصلت اليها البيئة الشيعية بفعل “حرب الإسناد” ونتائجها الكارثية على جميع المستويات.
انطلاقًا من ذلك ثمة من يعتقد أن الثنائي الشيعي قد يلجأ الى أية وسيلة لتأجيل الاانتخابات إذا تأكّد من حجم الخسارة التي سيتكبدها، بالرغم من علمه المسبق ان المجتمع الدولي لن يكون متسامحًا مع عدم اجراء الانتخابات في موعدها. فالثنائي الذي تعرّض لنكبة قبل نحو عام باغتيال اسرائيل الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، لن يكون قادرًا على تحمّل نكبة ثانية تتمثل بخروج الرئيس بري مهزومًا من عين التينة، المقر الرئيس للمنظومة المتحكمة بلبنان على مدى عقود، سواء خلال فترة الاحتلال السوري أو السيطرة الإيرانية على البلاد. لذلك يرى بعض أقطاب الممانعة ان مثل هذا السيناريو، الواقعي نسبيًا، سيكون أشدّ إيلامًا على بيئة الثنائي من اغتيال نصرالله نظرًا لتداعياته الداخلية الكارثية المرتقبة على هذه البيئة.
في معركة “كربلاء الأولى” مع إسرائيل سقط نصرالله، وفي “كربلاء الثانية”، أي في الانتخابات المقبلة، قد يسقط بري ومعه أركان المنظومة المعطلة لقيام دولة حقيقية في لبنان. فهل تتحمّل بيئة الثنائي، وربما الطائفة الشيعية كلها، كربلائين متتاليتين في أقل من عامين؟
