من “إخبار مواطن صالح” إلى “شكاوى التواصل الاجتماعي”

من “إخبار مواطن صالح” إلى “شكاوى التواصل الاجتماعي”

الكاتب: جان الفغالي | المصدر: نداء الوطن
20 تشرين الأول 2025

في مطلع عهد الرئيس إميل لحود، ومن خلال “فبركات” رجال نظام الوصاية اللبنانية – السورية، راج نهج الإخضاع، بما تضمنه من ابتزاز تحت مسمَّى “إخبار مواطن صالح” بحق فلان أو فلان، كان يرد الخبر كالآتي: “إخبار من مواطن صالح، تقرير عن كذا وكذا…”، وما إنْ يُنشَر الخبر حتى يتحرَّك القضاء “عفوًا”، بذريعة أنه تلقى إخبارًا. سادت يومها موجة هواجس لدى كثير من الشخصيات، وكان يُقال: “إذا أردت أن تعاقب أو تبتز شخصًا ما، أطلِق عليه إخبارًا”، ومَن يرضخ يُسحَب الإخبار الذي تم تقديمه بحقه.

كان ذلك بدءًا من خريف العام 1998، في بداية عهد الرئيس إميل لحود الذي مارس فيه بعض رجالات الوصاية كيدية في اتجاه معيَّن. بعد سبعةٍ وعشرين عامًا عاد نمط “الإخبارات” ولكن تحت مسمى يتوافق مع التقدم التكنولوجي فأصبح اسمها “شكاوى التواصل الاجتماعي”. صحيح أن المسمى تغيَّر لكن العقلية ما زالت هي إياها، فكما كان البعض يتحرك وفق “الإخبارات”، اليوم يتحرك وفق “الشكاوى”.

هكذا فعل وزير الصحة ركان ناصر الدين، بقوله: “وردت شكاوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول إشكالية تتعلق بمياه تنورين”! هكذا بكل بساطة، تحركت الوزارة، يا سادة، احترموا عقولنا، هل تريدوننا ان نصدِّق أن شكوى التواصل الاجتماعي حركتكم؟ في هذه الحال، ألغوا هيئات الرقابة والضابطة العدلية، واعملوا وفق شكاوى التواصل الاجتماعي!

ما هو أخطر من هذه “البلاهة” أن أحدًا من اللبنانيين لم يصدِّق الوزير عند اتخاذ القرار، فاستمروا يستهلكون المنتج، ومَن لم يستهلكه احتفظ بما كان يملكه من مخزون، وعندما فُك الحظر عنه، عاد إلى استهلاكه! ماذا يعني ذلك؟ يعني أن اللبنانيين لم يعودوا يصدِّقون وزير الصحة، وربما وزراء آخرين، في ما يمكن أن يتخذونه من قرارات.

عند هذا الحد، ليس المطلوب فقط أن يسترد المنتج صدقيته لدى الرأي العام، من باب أولى أن يسترد الوزير صدقيته.

وزير الصناعة رسم له خارطة الطريق فدعاه إلى “إجراء تحقيق داخل وزارته”، ليس سهلًا على الإطلاق أن يقول وزير لزميله “إفتح تحقيقًا داخل وزارتِك”، لم يكتفِ وزير الصناعة بذلك بل تحدث عن “ابتزاز وتشهير وطلب أموال وعن خطأ تقني وعن ظلم بحق مياه تنورين”.

أقل ما يُقال في هذا الكلام إنه يشكِّل “مضبطة اتهام” بحق دوائر في وزارة الصحة، فوزير الصناعة “بقّ نصف البحصة”، وعلى وزير الصحة أن يملك الشجاعة والجرأة ليلاقي زميله وزير الصناعة في منتصف الطريق.

في اعتقاد كثيرين، وأنا منهم، أن “الدولة العميقة” أو بالأصح “الحزب العميق” في وزارة الصحة، لن يسمح للوزير بأن يفتح تحقيقًا، فما يجري في وزارة الصحة لا يقتصر على ما تعرضت له إحدى الشركات، بل يطاول ملف الأدوية خصوصًا. بالمناسبة، أين أصبحت فضيحة أدوية السرطان، بين “متوارين” و”متواريات”؟ لماذا هناك صيف وشتاء في ملفات تسجيل الأدوية؟ لماذا “وسائل التواصل الاجتماعي” ليست شغَّالة على هذه الملفات؟ وفي ظل “تقاعسها” المريب، أين هيئات الرقابة؟ إن الوزيرين جورج بوشيكيان، المتواري، وأمين سلام، الموقوف، ليسا سوى الجزء الظاهر من “جبل الفساد”، فهل سيكون ملفاهما نهاية المطاف، أم يُفترض أن يكون بدايته؟

بالأمس جال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على هيئات الرقابة وحثهم على تفعيل عملهم، أليس ما حصل الأسبوع الفائت في وزارة الصحة فرصة لهذه الهيئات لتبرهن فعاليتها؟

كان يُقال: “المياه تُكذِّب الغطاس”، اليوم يُقال:”المياه تُكذِّب الوزير”.