من بيروت إلى جنوب لبنان: كيف يحاول الحزب إعادة بناء قواته في شبه سرية

من بيروت إلى جنوب لبنان: كيف يحاول الحزب إعادة بناء قواته في شبه سرية

الكاتب: جورج مالبرونو | المصدر: لوفيغارو
24 تشرين الأول 2025

يروي وافِق (اسم مستعار) حالة الذعر التي أعقبت اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في 27 أيلول/سبتمبر 2024 في بيروت.
يقول: «كنت في الضاحية (معقل حزب الله في العاصمة اللبنانية). كان كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين ينامون في سياراتهم، يذهبون إلى بيوت أشخاص موثوقين ليستحمّوا ثم يغادرون فورًا».

وافِق، وهو عضو في الميليشيا الشيعية الموالية لإيران، وافق على الحديث بشرط عدم كشف هويته. إنها شهادة نادرة من داخل تنظيم تصنفه معظم الدول الغربية كـ«منظمة إرهابية»، ويشتهر بتكتمه الشديد.

بعد مقتل نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين وتفكك القيادة العسكرية، لم يكن أحد يجيب على اتصالاته. يقول:
«لعشرة أيام، كنا تائهين تمامًا، كجسد في غيبوبة. وحدهم المقاتلون في الجنوب واصلوا القتال، وفق خططٍ تنصّ على أنه إذا فُقدت القيادة، عليهم الاستمرار. كثير من هؤلاء الشباب صمدوا لأيام قبل أن يُقتلوا جميعًا، نحو 1200 منهم. كانوا هم من أنقذ الموقف»، يقول وهو يحضّر القهوة في مطبخه
«بعد أسبوعين»، يضيف، «وصل الإيرانيون لتسلّم زمام الأمور. إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، جمع الناس وأعاد المدربون الإيرانيون ترميم معظم سلسلة القيادة خلال عشرة أيام. لكن على الصعيد السياسي، كان هناك فراغ تام. في الضاحية لم أرَ أحدًا، وعندما خرجت كان الجميع قد تفرق».

ثم بدأ وقت الانتقادات.
«كانت هناك انتقادات داخلية قوية»، يقول وافق، «لكنها بقيت سرية كي لا تضعف المنظمة المقطوعة الرأس. كثيرون سألوا بدهشة: كيف وصلنا إلى هنا؟»
بعضهم، ومنهم وافق، انتقدوا طريقة إدارة الحرب التي قررها نصر الله عقب الهجوم الإرهابي الذي شنّته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
يقول وافق: «ما ألومه عليه هو التردد. إما أن يخوض الحرب أو لا، لكن لا أن يختار طريقًا وسطًا. بما أن حماس لم تُخبر حزب الله بما سيحدث في 7 تشرين، ما كان علينا أن نتورط في الحرب، خصوصًا بهذه الطريقة الرمزية المترددة، بدعوى التضامن».

جدل بعد السابع من تشرين الأول

على مدى شهرٍ بعد هجوم حماس، التزم نصر الله الصمت قبل أن يعرض خطته عبر التلفزيون، والتي لخّصها لاحقًا محمد رعد، رئيس كتلة نواب حزب الله: «تضامن مع حماس، ولكن في حدود دنيا. أولويتنا حماية لبنان.»
كان ذلك، بحسب كثيرين، خطأً فادحًا، إذ كانت المناطق الشيعية في الجنوب على وشك الدمار، وسكانها – قاعدة حزب الله الشعبية – على وشك النزوح.

في اليوم التالي لهجوم حماس، «نشب نقاش داخلي في حزب الله وظهرت اختلافات في الرأي»، كما يؤكد لنا عدة مصادر أخرى.

الأول بقيادة نصر الله، دعا إلى التريّث والحذر.

الثاني بقيادة هاشم صفي الدين وعدد من القادة العسكريين، ولا سيما قادة قوة الرضوان التي سُتحصد بعد عام بالكامل.
هؤلاء أرادوا استغلال حالة الارتباك في إسرائيل إثر هجوم حماس للتوغل في شمال الدولة العبرية، الملاصقة لمعاقلهم في الجنوب.
وقد كان هذا المخطط قيد الإعداد منذ سنوات، وكُشف عنه عام 2018 حين أعلنت إسرائيل عن اكتشاف أنفاق تحت الحدود.

هل كان نصر الله يستطيع أن يتصرّف بخلاف ذلك، وهو الذي كان يعتمد على لبنان واليمن كـ«ذراع ردع» لإيران في مواجهة إسرائيل؟
يقول أحد كبار أعضاء الحزب: «حزب الله لم يرد أن يجرّ إيران إلى حرب ضد الولايات المتحدة التي كانت قد نشرت سفينتين حربيتين قبالتنا آنذاك».

في خريف 2023، زار برنار إيمييه، مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية (DGSE) وسفير فرنسا الأسبق في بيروت، نصر الله سرًا ليبلغه بأن «ما بعد 7 تشرين ليس كما قبله».

وحافظت فرنسا، التي تواصل الحوار السياسي مع حزب الله، على تكرار التحذير نفسه.

في 2 كانون الثاني/يناير 2024، بينما كان حزب الله يواصل هجماته المحدودة ضد إسرائيل، قتلت طائرة مسيّرة إسرائيلية القيادي في حماس صالح العاروري في بيروت، وهو حلقة الوصل بين حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني.
عندها تعاظم التململ. يقول وافق: «الشيعة في الجنوب، الذين أهانتهم إسرائيل، قالوا لحزب الله: كفى! يجب الرد! لكن الإيرانيين ونصر الله قالوا لا.»

«نصر الله خُدع»

يؤكد الصحافي والباحث نيكولاس بلانفورد، مؤلف كتاب عن حزب الله:
«في شباط وآذار 2024 بدأ كثيرون يشعرون بالتوتر. قالوا: هذه حرب عبثية، الإسرائيليون يهدمون بيوتنا ويقتلون قادتنا، وهناك جواسيس، ونحن ماذا نفعل؟ نطلق بضع كاتيوشات فقط؟ دعونا نقاتل حربًا حقيقية!»
وصلت الشكاوى إلى القيادة، فصعّدت من هجماتها ضد إسرائيل. لكن الفخ بدأ يُطبق.
يقول غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني: «ارتكب نصر الله خطأً كبيرًا حين ظن أن إسرائيل ستقبل بمستوى العنف الذي حدده. ردّها كان ساحقًا».

ويضيف وافق: «ما لم يدركه نصر الله هو مدى اختراق إسرائيل لنظام اتصالاته. كان يُفترض أن تُفحص الاتصالات كل أسبوعين، لكن العمل كان سيئًا. وربما أيضًا لأنه عاش في bunker تحت الأرض لعشرين عامًا، فقد تَشوّش إدراكه.»

يصحّح أحد الفنيين المقربين من الحزب: «لم يكن نصر الله ضحية تجسس تقني فقط، بل خُدع أيضًا. لم يفقد توازنه، لكن إسرائيل التهمت دوائر المعلومات التي يعتمد عليها. نفذت أكبر عملية اختراق استخباراتي في العصر الحديث. لم يستخدموا التعذيب لتحويل العملاء، بل سمحوا لهم بالعمل داخل الحزب أو في محيطه.»

ويضيف الفني: «كان بعض أفراد شبكة نصر الله يتلقون من العملاء الإسرائيليين معلومات صحيحة لكسب الثقة، وأخرى مضللة. ولهذا حتى اللحظة الأخيرة، بعد أن وافق على وقف إطلاق النار بيومين قبل اغتياله، كان مقتنعًا أن إسرائيل لن تستهدفه، رغم أنها بدأت بالفعل بتدمير قدراته عبر حادثة أجهزة النداء (البيبر).»
مفارقة أن كثيرًا من أعضاء شبكاته الاستخباراتية قُتلوا لاحقًا على يد إسرائيل.

آخرون، مثل وفيق صفا، المسؤول عن التنسيق مع القوى اللبنانية، أصبحوا اليوم مهمّشين.
وآخرون خُدعوا أو كُشفوا بسبب إهمالهم، مثل فؤاد شقير، الضابط البالغ 62 عامًا، الذي كانت له علاقة غرامية راقبتها إسرائيل، فقُتل قبل نصر الله بشهرين في غارة إسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، صار بعض عناصر الحزب يلقبونه بـ«شهيد الزُب» (أي «شهيد الجنس»).
يقول بلانفورد: «الحرس القديم الذي أسس الجهاز الأمني للحزب في الثمانينيات أصبح متراخيًا، وترك بعض مسؤولياته لآخرين أقل خبرة.»

فرع عسكري سري جديد

مرتديًا سترة أنيقة وقميصًا أبيض، يصل علي فياض، نائب حزب الله، إلى لقاء في مقهى هادئ في بيروت يطل على البحر، حاملاً كيس هدايا من علامة «هيرميس». يقول لمراسل لوفيغارو: «محمد رعد لا يستطيع مقابلتكم هذه المرة».

فالرجل الذي يشغل فعليًا موقع الرجل الثاني في الحزب يخشى على حياته، ولا يتنقل إلا نادرًا، ولا يلتقي سوى رئيس الجمهورية جوزف عون أو مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان.

يقول فياض:
«حزب الله دفع ثمنًا باهظًا، لكنه لم يُدمّر. لدينا هيكلية عسكرية جديدة، وهي سرية لأننا نواجه ظروفًا جديدة. الجانب الإيجابي أن القيادة الجديدة شابة، أكثر حيوية، وقادرة على مواكبة التطور التكنولوجي.»

يؤكد وافق أيضًا: «لم نعد نراهم في الشوارع أو المقاهي كما في السابق. تحت إشراف الإيرانيين، ظهرت أجيال ثانية وثالثة داخل الحزب، حلّت محلّ طبقة قديمة كانت أحيانًا فاسدة وتعتقد أنها محصّنة لأنها من جيل نصر الله نفسه. هذا الانتقال في القيادة كان يجب أن يحدث طبيعيًا، لا خلال الحرب»، كما يأسف فياض.

وكما في بدايات تأسيس الحزب في أوائل الثمانينيات، أصبحت السرية التامة القاعدة من جديد بين المقاتلين. أُعيد توزيع المسؤوليات داخل الجهاز العسكري بحيث لا يعرف أحدٌ من يفعل ماذا.
يشرح أحد المسؤولين الحزبيين:
«بعد حرب 2006 وتدخلنا في سوريا منذ 2013، تضخمت صفوف المقاومة وأصبحت بنية هجينة: جزء خفي وجزء آخر أشبه بجيش نظامي، ما جعل عمل إسرائيل أسهل بكثير. اليوم الأمر تغيّر تمامًا.»

الهيئة العسكرية أصبحت إلى حدٍّ كبير منفصلة عن السياسة وأكثر استقلالية. في القرى، لم يعد القادة الميدانيون بحاجة للرجوع إلى القيادة المركزية في بيروت.

«سلاسل القرار قصيرة، والأوامر تُعطى وجهًا لوجه بين شخص وآخر، ولم يعد هناك اعتماد على شبكة الاتصالات»، كما يوضح أحد الخبراء.
أما الأمين العام الجديد نعيم قاسم، فيُوصف بأنه ضعيف نسبيًا ولا يقوم بالدور الكامل الذي كان يلعبه سلفه.

في الوقت نفسه، قلّص الحزب اتصالاته الخارجية إلى حدٍّ كبير.
يقول وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية:
«كان لي شخص اتصال واحد، وفيق صفا، وهو من أعطاني رقمه. وفي القضايا الحساسة، كان نصر الله يرسل إليّ الحاج حسين الخليل. اليوم لم يعد لدي أي اتصال. صفا اختفى لأنه في خطر بعد أن نجا من محاولة اغتيال العام الماضي، والخليل متوارٍ.»

وضع دفاعي جديد

بعد حملة اعتقالات واسعة ضد العملاء (ولا تزال مستمرة)، أرسل الحزب مقاتليه – خصوصًا أولئك الذين لم يشاركوا في الحرب – إلى منطقة البقاع شرقي لبنان، وهي معقله الآخر.
المتزوجون حصلوا على راتب شهرين، والعازبون على شهر واحد فقط.
ويقال إن الحزب بدأ مرحلة تجنيد جديدة، إلا أن التدريب في بعض معسكراته في البقاع لم يبدأ بعد، بحسب أحد الشهود.

يؤكد ضابط كبير في الجيش اللبناني يتابع تحركات الحزب:
«بحسب معلوماتنا، لم يُكمل حزب الله بعد إعادة هيكلة جناحه العسكري.»
وعسكريًا، بات الحزب أضعف بكثير، ويتبنى الآن استراتيجية دفاعية جديدة يُرجح أن إيران فرضتها بعدما استعادت السيطرة الكاملة عليه.

يقول النائب علي فياض:
«الإيرانيون ما زالوا يدعموننا، لكن الوضع تغيّر كثيرًا. المقاومة تبنّت الآن موقفًا دفاعيًا لبنانيًا. هذا يعني أنه إذا هوجمت إيران غدًا، فلن يتدخل حزب الله لدعمها. في الجنوب ما زالت إسرائيل تحتل مزارع شبعا وستة مواقع داخل لبنان، والمقاومة لا تتدخل. منذ اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، شجعنا الدولة اللبنانية على أن تتولى إدارة الوضع السياسي والعسكري ميدانيًا. وقلنا للدولة والجيش: نحن مستعدون لدعمكم.»

وبموجب هذا الاتفاق، يجب على الجيش اللبناني الانتشار جنوب نهر الليطاني. وهو يفعل ذلك ببطء شديد كما لوحظ خلال اليومين الماضيين قرب الحدود مع إسرائيل.
لم يُنشر سوى نحو 2000 جندي بدلًا من 10 آلاف كما كان مخططًا.
يقول الضابط اللبناني الكبير:
«الجيش يتصرف بحذر شديد في الجنوب، فليس من الحكمة استفزاز حزب الله بينما المستقبل غامض.»

ورغم أن المقاتلين لم يعودوا ظاهرين للعيان، يقول الباحث سمير زغَير:
«النشاط السياسي للحزب لا يزال قائمًا. إنه قوة سياسية كبرى، ومن يظن أنه سيختفي فهو واهم.»
ويضيف توم باراك، مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى لبنان وسوريا، والذي التقته لوفيغارو في قمة شرم الشيخ للسلام:
«حزب الله يشكّل مجتمعًا سياسيًا بحد ذاته، مع 27 نائبًا في البرلمان.»
ويتابع المراسل: ولديه أيضًا اتصالات داخل جهاز استخبارات الجيش اللبناني (فرع B2)، وهو الجهاز نفسه المفترض أن يتولى نزع سلاح الحزب.
في المدن الجنوبية، لا يزال الضابط المسؤول في هذا الفرع – والمقرّب تقليديًا من حزب الله – يشغل موقعه في اللجنة الثلاثية التي تدير الأمن إلى جانب ممثلين عن حزب الله وحركة أمل.

في كل لقاء تقريبًا أجريناه مع رؤساء بلديات القرى التي زرناها، كان هناك دائمًا ممثل من حزب الله حاضرًا إلى جانبه.
وبمجرد مغادرة مدينة صيدا، آخر المدن السنية الكبرى جنوب بيروت، يبدأ الطريق المؤدي إلى «أرض حزب الله».
الشارع مزيّن بأعلام صفراء وخضراء جديدة نُصبت قبل ثلاثة أسابيع لإحياء الذكرى الأولى لاغتيال حسن نصر الله.
وفي القرى وعلى الطرق الجبلية الضيقة التي تخترق تلالًا مكسوّة بالأشجار، حيث أخفى الحزب أسلحته في أنفاق وملاجئ، تنتشر صور «شهداء الحرب» في كل مكان.

الدمار الإسرائيلي واضح للعيان: بيوت كثيرة مهدّمة، وبعض القرى الحدودية مع إسرائيل تكاد تكون مدمّرة بالكامل.

الدمار في الجنوب

هذا هو حال الناقورة، حيث تتمركز قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) على بُعد كيلومتر واحد فقط من الحدود مع إسرائيل.
يقول علي، أحد السكان:
«الناس بدأوا يعودون، فالحياة في بيروت باهظة. نحن نعيش في مؤخرة بيوتنا بلا كهرباء، والشتاء قادم، كيف سنعيش؟»
قبل شهر، اكتُشفت مجددًا أسلحة تابعة لحزب الله ونفق يؤدي إلى مقرّ اليونيفيل.

وعلى الطريق الصاعدة نحو القرية المسيحية المجاورة علما الشعب، تصطف أنقاض البيوت على الجانبين، تتخللها حفارات تزيل الركام.
خلال الحرب، كان مقاتلو حزب الله ينتقلون بين البلدتين عبر نفق يؤدي إلى الغابة.
تقول إحدى النساء بغضب:
«رجال الحزب احتلوا بيتي أثناء غيابي. أخذوا كل شيء، حتى الأثاث.»

تعرّضت علما الشعب وغيرها من القرى الجنوبية للتهجير الكامل.
يقول رئيس بلديتها شادي صياح:
«الإسرائيليون الذين احتلوا كل البيوت على الطريق الرئيسية كتبوا على الجدران بالإنكليزية: “لن تنسونا”. في علما الشعب دُمّر 90 منزلًا وتضرر 200. لماذا هدموا برج الجرس في الكنيسة؟ ماذا يريدون؟ ربما يريدون إقامة منطقة عازلة.»

الطائرات المسيّرة الإسرائيلية والتحول العسكري

مع نهاية الحرب، كشف حزب الله عن تحولات كبيرة في بنيته العسكرية، أبرزها اعتماده على الدفاع السلبي والتقنيات الحديثة.
الطائرات المسيّرة الإسرائيلية (الدرونز) أصبحت جزءًا من التهديد اليومي، ما دفع الحزب لإعادة تنظيم منظومته الدفاعية.
يقول ضابط لبناني سابق على صلة بالمخابرات:
«أصبح كل مقاتل داخل الحزب يعرف أنه يمكن أن يُستهدف في أي لحظة. لذلك أصبح التحرك أكثر سرية، وأي تواصل يُجري عبر قنوات مشفرة أو وجهاً لوجه.»

وقد برزت القيادة الشابة داخل الحزب، التي تُفضل التحرك السريع واتخاذ القرارات الميدانية مباشرة، بدلًا من الانتظار على التسلسل الهرمي التقليدي.

ويؤكد مصدر قريب من القيادة:
«اليوم، القرار العسكري لا يحتاج إلى الرجوع دائمًا إلى بيروت. المرونة في الميدان هي التي تحمي الحزب.»

الوضع الاقتصادي والمالي

بعد الحرب، واجه الحزب تحديات اقتصادية داخلية وخارجية. التمويل الإيراني مستمر، لكنه أصبح أكثر سرية وتركيزًا على الأهداف العسكرية والدفاعية.
المصادر نفسها تشير إلى أن إيران فرضت ضوابط صارمة على الأموال لضمان استخدامها وفق الأولويات الجديدة.

أما داخليًا، فقد أصبح الحزب أكثر اعتمادًا على الاقتصاد المحلي من خلال جمع التبرعات والمشاريع الصغيرة في الجنوب والبقاع.
يقول أحد خبراء الاقتصاد اللبناني:
«حزب الله لا يزال قوة مالية، لكنه يعتمد اليوم على موارد محدودة ومحددة الاستخدام. لم يعد هناك توسع كبير كما في الماضي.»

الموقف الشيعي الداخلي

في لبنان، يعتبر حزب الله مؤثرًا سياسيًا واجتماعيًا، لكنه فقد بعض الزخم بعد الحرب.
الشيعة اللبنانيون الذين كانوا مناصرون بشكل كامل أصبحوا أكثر حذرًا، خاصة بعد الخسائر البشرية والمادية.
ويضيف الباحث سمير زغير:
«الخطاب الشعبي تغيّر قليلًا. هناك شعور بأن الحزب أصبح أقل قدرة على حماية المجتمع الشيعي كما كان يفعل في الماضي.»

المشهد السياسي بعد الحرب

سياسيًا، أعادت الحرب رسم التحالفات اللبنانية.
حزب الله لا يزال لاعبًا رئيسيًا، لكنه يعتمد الآن استراتيجية الدفاع والمراوغة بدلًا من المواجهة المباشرة.
ويقول علي فياض:
«لن نخوض حربًا مستقبلية إلا إذا كانت دفاعية بحتة، ولن نتدخل خارج لبنان كما في سوريا سابقًا.»

الجيش اللبناني أصبح المسؤول المباشر عن الأمن في الجنوب، رغم البطء في الانتشار ووجود بعض العقبات اللوجستية.
المشهد السياسي العام يتسم بـ الترقب والحذر، حيث الجميع ينتظر الخطوة القادمة في ظل التهديد الإسرائيلي المستمر والضغوط الاقتصادية.

بعد عام كامل من الحرب، يظهر حزب الله متغيرًا في بنيته الداخلية واستراتيجيته العسكرية والسياسية:

قيادة شابة وأكثر مرونة.

تركيز على الدفاع والسرية التامة.

استقلالية أكبر للجناح العسكري عن السياسة اليومية.

اعتماد محدود ومحدد للتمويل الإيراني، مع توسع جزئي في الاقتصاد المحلي.

تراجع التأثير المباشر على الميدان السياسي اللبناني، رغم استمرار قوته الاجتماعية والسياسية ضمن المجتمع الشيعي.

يبقى حزب الله قوة معقدة ومهيمنة في لبنان، لكنها اليوم قوة تحفظ نفسها، تراقب، وتستعد بحذر لأي مواجهة مستقبلية، بدلًا من السعي للمواجهة المباشرة كما في الماضي.

الترجمة عبر الذكاء الإصطناعي