
البندورة تحلّق
من هواياتي القليلة، عدا التهام الروايات العربية والعالمية بشهية زائدة، التمتع بكتب المذكرات السياسية والتاريخ، ممارسة رياضة المشي اليومة بين رفوف الـ “سوبرماركت “وأجنحتها وقراءة الأسعار وتحليلها بعمق وإجراء دراسات مقارنة بحسب المناطق ونقاط البيع. ومن آخر مطالعاتي في هذا المجال الرحب: علبة الـ “tomates cerises” بنصف مليون ليرة، وإن عرّبتها صارت بندورة كرزية تخسر الكثير من جاذبيتها على ستاند الخضار. كيلو البندورة الجبلية 460 ألفًا، والعنقودية 385 ألفًا والزهرية بـ 340 والحمراء غير المصنفة الأكثر رواجًا بـ 299 ألفًا، أي أغلى من المانغا بقليل أو بسعر مماثل، وإلى هذا الفحش الواضح المعالم في بلاد كسروان من يضمن “أنها لا مغشوشة ولا مرشوشة” مثل التي باعتها فيروز على عربة الخضار في مسرحية “الشخص”؟ أعدت سماع الحوارية تلك مع وليم حسواني “بندورة جبلية يا حمرا وردية تحلا وتحلا وسعرا يغلا وتضحكلي العربية” وفهمت من فيروز أن “بندوراتها” “Bio “. دوختني أسعار بندورة الخيم وحرّكت في دواخلي مشاعر شتى وتساؤلات من مستوى “شو عدا ما بدا؟”، “دخلك يا رفقا شو صاير؟”، و”ماذا تركتم للفقير كي يأكل؟ و”أين من يخبرنا الحقيقة عن أسعار البندورة الجنونية؟”.
وجاء الجواب من إبراهيم ترشيشي في حديث لموقع “لبنان 24″على هذا النحو: “أن ارتفاع سعر البندورة الجنوني جاء نتيجة الخسائر المتواصلة التي تكبدها الفلاحون. وشرح أن الكيلو كان يباع بين 15 و20 ألف ليرة خلال أربعة أشهر متواصلة، ما دفع بعض المزارعين إلى إهمال محصولهم لعدم جدوى قطافه. وأضاف، أن البندورة التي تُزرع في الحقول التقليدية انتهت، والمنتج الآن يأتي من البيوت البلاستيكية في مناطق مثل البقاع، حيث عاد الفلاحون للاهتمام بالزراعة بعدما أصبح بإمكانهم بيع الكيلو بأسعار تتراوح بين 100 و150 ألف ليرة. وبالتالي فـ “ارتفاع الأسعار ضروري لتعويض خسائر الفترة الماضية” بمعنى أن خسائر المزارعين اللبنانيين بـ “روس” البندورة ، طلعت بـ “روس” المواطنين الكرام.
وما ينطبق على البندورة ينطبق على مكونات جاط الفتوش من القيثاء إلى البقلة والفجل والنعناع والخس… إذ باتت كلفة جاط الفتوش على الست رفقا أعلى من اشتراك الموتور. ناهيك عن رفقا وفتوشها فإن تظاهرة رشق بندورة باتت تكلّف ثروة.
أما بعد،
هذا المساء مدعو أنا إلى عشاء في منزل صديق رفع قبل ثلاثة أو أربعة عقود هذا الشعار في وجه أصدقائه: “إيد الفاضية مجويّة” وبناء عليه يُفترض أن أحمل معي، إلى العشاء، ما يجنبني تعليقاته. أمامي الآن مشروعان أو فكرتان: ثلاثة كيلوغرامات بندورة جبلية أو جاط Salade de fruits مزيّن ببندورة كرزية باب أوّل.
